كانَ وَعْدُهُ مَفْعُولاً (١٨))
الاستفهام ب (كيف) مستعمل في التعجيز والتوبيخ وهو متفرع بالفاء على ما تضمنه الخطاب السابق من التهديد على تكذيب الرسول صلىاللهعليهوسلم وما أدمج فيه من التسجيل بأن الرسول صلىاللهعليهوسلم شاهد عليهم فليس بعد الشهادة إلّا المؤاخذة بما شهد به ، وقد انتقل بهم من التهديد بالأخذ في الدّنيا المستفاد من تمثيل حالهم بحال فرعون مع موسى إلى الوعيد بعقاب أشد وهو عذاب يوم القيامة وقد نشأ هذا الاستفهام عن اعتبارهم أهل اتّعاظ وخوف من الوعيد بما حلّ بأمثالهم مما شأنه أن يثير فيهم تفكيرا من النجاة من الوقوع فيما هدّدوا به ، وأنهم إن كانوا أهل جلادة على تحمل عذاب الدّنيا فما ذا يصنعون في اتقاء عذاب الآخرة ، فدلّت فاء التفريع واسم الاستفهام على هذا المعنى.
فالمعنى : هبكم أقدمتم على تحمل عذاب الدنيا فكيف تتقون عذاب الآخرة ، ففعل الشرط من قوله : (إِنْ كَفَرْتُمْ) مستعمل في معنى الدوام على الكفر لأن ما يقتضيه الشرط من الاستقبال قرينة على إرادة معنى الدّوام من فعل (كَفَرْتُمْ) وإلّا فإن كفرهم حاصل من قبل نزول هذه الآية.
و (يَوْماً) منصوب على المفعول به ل (تَتَّقُونَ). واتقاء اليوم باتقاء ما يقع فيه من عذاب أي على الكفر.
ووصف اليوم بأنه (يَجْعَلُ الْوِلْدانَ شِيباً) وصف له باعتبار ما يقع فيه من الأهوال والأحزان ، لأنه شاع أن الهم مما يسرع به الشيب فلما أريد وصف همّ ذلك اليوم بالشدة البالغة أقواها أسند إليه يشيب الولدان الذين شعرهم في أول سواده. وهذه مبالغة عجيبة وهي من مبتكرات القرآن فيما أحسب ، لأني لم أر هذا المعنى في كلام العرب وأما البيت الذي يذكر في شواهد النحو وهو :
إذن والله نرميهم بحرب |
|
تشيب الطفل من قبل المشيب |
فلا ثبوت لنسبته إلى من كانوا قبل نزول القرآن ولا يعرف قائله ، ونسبه بعض المؤلفين إلى حسان بن ثابت. وقال العيني : لم أجده في ديوانه. وقد أخذ المعنى الصمّة ابن عبد الله القشيري في قوله :
دعاني من نجد فإن سنينه |
|
لعبن بنا شيبا وشيبننا مردا |
وهو من شعراء الدولة الأموية وإسناد (يَجْعَلُ الْوِلْدانَ شِيباً) إلى اليوم مجاز عقلي