وعن أبي نصر القشيري أنه قال : قيل بلغ النبي صلىاللهعليهوسلم قول كفار مكة : أنت ساحر فوجد من ذلك غمّا وحمّ فتدثر بثيابه فقال الله تعالى : (قُمْ فَأَنْذِرْ) [المدثر : ٢].
وأيّاما كان فقد وقع الاتفاق على أن هذا القول صدر عن الوليد بن المغيرة وأنه المعنيّ بقوله تعالى : (وَمَنْ خَلَقْتُ وَحِيداً) فإن كان قول الوليد صدر منه بعد نزول صدر هذه السورة فجملة (ذَرْنِي وَمَنْ خَلَقْتُ وَحِيداً) مستأنفة استئنافا ابتدائيا والمناسبة ظاهرة ، وإن كان قول الوليد هو سبب نزول السورة ، كان متصلا بقوله : (وَلِرَبِّكَ فَاصْبِرْ) [المدثر : ٧] على أنه تعليل للأمر بالصبر بأن الله يتولى جزاء هذا القائل ، وما بينهما اعتراض ، ويؤيد هذا أن ابتداء الوحي كان في رمضان وأن فترة الوحي دامت أربعين يوما على الأصح سواء نزل وحي بين يدء الوحي وفترته مدة أيام ، أو لم ينزل بعد بدئه شيء ووقعت فترته ، فيكون قد أشرف شهر ذي القعدة على الانصرام فتلك مدة اقتراب الموسم فأخذ المشركون في الاستعداد لما يقولونه للوفود إذا استخبروهم خبر النبي صلىاللهعليهوسلم.
وتصدير الجملة بفعل (ذَرْنِي) إيماء إلى أن الرسول صلىاللهعليهوسلم كان مهتما ومغتما مما اختلقه الوليد بن المغيرة ، فاتصاله بقوله : (وَلِرَبِّكَ فَاصْبِرْ) يزداد وضوحا.
وتقدم ما في نحو (ذَرْنِي) وكذا ، من التهديد والوعيد للمذكور بعد واو المعية ، في تفسير قوله تعالى : (فَذَرْنِي وَمَنْ يُكَذِّبُ بِهذَا الْحَدِيثِ) في سورة القلم [٤٤].
وجيء بالموصول وصلته في قوله : (وَمَنْ خَلَقْتُ وَحِيداً) لإدماج تسجيل كفران الوليد النعمة في الوعيد والتهديد.
وانتصب (وَحِيداً) على الحال من (مَنْ) الموصولة.
والوحيد : المنفرد عن غيره في مكان أو حال مما يدل عليه سياق الكلام ، أو شهرة أو قصة ، وهو فعيل من وحد من باب كرم وعلم ، إذا انفرد.
وكان الوليد بن المغيرة يلقب في قريش بالوحيد لتوحده وتفرده باجتماع مزايا له لم تجتمع لغيره من طبقته وهي كثرة الولد وسعة المال ، ومجده ومجد أبيه من قبله ، وكان مرجع قريش في أمورهم لأنه كان أسنّ من أبي جهل وأبي سفيان ، فلما اشتهر بلقب الوحيد كان هذا الكلام إيماء إلى الوليد بن المغيرة المشتهر به. وجاء هذا الوصف بعد فعل (خَلَقْتُ) ، ليصرف هذا الوصف عما كان مرادا به فينصرف إلى ما يصلح لأن يقارن فعل (خَلَقْتُ) أي أوجدته وحيدا عن المال والبنين والبسطة ، فيغيّر عن غرض المدح