والثناء الذي كانوا يخصونه به ، إلى غرض الافتقار إلى الله الذي هو حال كل مخلوق فتكون من قبيل قوله : (وَاللهُ أَخْرَجَكُمْ مِنْ بُطُونِ أُمَّهاتِكُمْ لا تَعْلَمُونَ شَيْئاً) [النحل : ٧٨] الآية.
وعطف على ذلك (وَجَعَلْتُ لَهُ مالاً) عطف الخاص على العام.
والممدود : اسم مفعول من مدّ الذي بمعنى : أطال ، بأن شبهت كثرة المال بسعة مساحة الجسم ، أو من مدّ الذي بمعنى : زاد في الشيء من مثله ، كما يقال : مد الوادي النهر ، أي مالا مزيدا في مقداره ما يكتسبه صاحبه من المكاسب. وكان الوليد من أوسع قريش ثراء. وعن ابن عباس : كان مال الوليد بين مكة والطائف من الإبل والغنم والعبيد والجواري والجنان وكانت غلة ماله ألف دينار (أي في السنة).
وامتنّ الله عليه بنعمة البنين ووصفهم بشهود جمع شاهد ، أي حاضر ، أي لا يفارقونه فهو مستأنس بهم لا يشتغل باله بمغيبهم وخوف معاطب السفر عليهم فكانوا بغنى عن طلب الرزق بتجارة أو غارة ، وكانوا يشهدون معه المحافل فكانوا فخرا له ، قيل : كان له عشرة بنين وقيل ثلاثة عشر ابنا ، والمذكور منهم سبعة ، وهم : الوليد بن الوليد ، وخالد ، وعمارة ، وهشام ، والعاصي ، وقيس أو أبو قيس ، وعبد شمس (وبه يكنى). ولم يذكر ابن حزم في «جمهرة الأنساب» : العاصي. واقتصر على ستة.
والتمهيد : مصدر مهّد بتشديد الهاء الدال على قوة المهد. والمهد : تسوية الأرض وإزالة ما يقضّ جنب المضطجع عليها ، ومهد الصبي تسمية بالمصدر.
والتمهيد هنا مستعار لتيسير أموره ونفاذ كلمته في قومه بحيث لا يعسر عليه مطلب ولا يستعصي عليه أمر.
وأكد (مَهَّدْتُ) بمصدره على المفعولية المطلقة ليتوسل بتنكيره لإفادة تعظيم ذلك التمهيد وليس يطرد أن يكون التأكيد لرفع احتمال المجاز.
ووصف في هذه الآية بما له من النعمة والسعة لأن الآية في سياق الامتنان عليه توطئة لتوبيخه وتهديده بسوء في الدنيا وبعذاب النار في الآخرة ، فأما في آية سورة القلم فقد وصفه بما فيه من النقائص في قوله تعالى : (وَلا تُطِعْ كُلَّ حَلَّافٍ مَهِينٍ) [القلم : ١٠] إلخ بناء على قول من قال : إن المراد به الوليد بن المغيرة (وقد علمت أنه احتمال) لأن تلك الآية في مقام التحذير من شره وغدره.
و (ثُمَ) في قوله : (ثُمَّ يَطْمَعُ) للتراخي الرتبي ، أي وأعظم من ذلك أنه يطمع في