شاءَ مِنْكُمْ أَنْ يَتَقَدَّمَ أَوْ يَتَأَخَّرَ (٣٧)).
الواو المفتتح بها هذه الجملة واو القسم ، وهذا القسم يجوز أن يكون تذييلا لما قبله مؤكّدا لما أفادته (كَلَّا) من الإنكار والإبطال لمقالتهم في شأن عدة خزنة النار ، فتكون جملة (إِنَّها لَإِحْدَى الْكُبَرِ) تعليلا للإنكار الذي أفادته (كَلَّا) ويكون ضمير (إِنَّها) عائدا إلى (سَقَرَ) [المدثر : ٢٦] ، أي هي جديرة بأن يتذكر بها فلذلك كان من لم يتذكر بها حقيقا بالإنكار عليه وردعه.
وجملة القسم على هذا الوجه معترضة بين الجملة وتعليلها ، ويحتمل أن يكون القسم صدرا للكلام الذي بعده وجملة (إِنَّها لَإِحْدَى الْكُبَرِ) جواب القسم والضمير راجع إلى (سَقَرَ) ، أي أن سقر لأعظم الأهوال ، فلا تجزي في معاد ضمير (إِنَّها) جميع الاحتمالات التي جرت في ضمير (وَما هِيَ إِلَّا ذِكْرى) [المدثر : ٣١].
وهذه ثلاثة أيمان لزيادة التأكيد فإن التأكيد اللفظي إذا أكد بالتكرار يكرر ثلاث مرات غالبا ، أقسم بمخلوق عظيم ، وبحالين عظيمين من آثار قدرة الله تعالى.
ومناسبة القسم ب (الْقَمَرِ وَاللَّيْلِ إِذْ أَدْبَرَ وَالصُّبْحِ إِذا أَسْفَرَ) أن هذه الثلاثة تظهر بها أنوار في خلال الظلام فناسبت حالي الهدى والضلال من قوله : (كَذلِكَ يُضِلُّ اللهُ مَنْ يَشاءُ وَيَهْدِي مَنْ يَشاءُ) [المدثر : ٣١] ومن قوله : (وَما هِيَ إِلَّا ذِكْرى لِلْبَشَرِ) [المدثر : ٣١] ففي هذا القسم تلويح إلى تمثيل حال الفريقين من الناس عند نزول القرآن بحال اختراق النور في الظلمة.
وإدبار الليل : اقتراب تقضيه عند الفجر ، وإسفار الصبح : ابتداء ظهور ضوء الفجر. وكل من (إِذْ) و (إِذا) واقعان اسمي زمان منتصبان على الحال من الليل ومن الصبح ، أي أقسم به في هذه الحالة العجيبة الدالة على النظام المحكم المتشابه لمحو الله ظلمات الكفر بنور الإسلام قال تعالى : (كِتابٌ أَنْزَلْناهُ إِلَيْكَ لِتُخْرِجَ النَّاسَ مِنَ الظُّلُماتِ إِلَى النُّورِ) [إبراهيم : ١].
وقد أجريت جملة (إِنَّها لَإِحْدَى الْكُبَرِ) مجرى المثل.
ومعنى إحدى أنها المتوحدة المتميزة من بين الكبر في العظم لا نظيرة لها كما يقال : هو أحد الرجال لا يراد : أنه واحد منهم ، بل يراد : أنه متوحد فيهم بارز ظاهر ، كما تقدم في قوله : (ذَرْنِي وَمَنْ خَلَقْتُ وَحِيداً) [المدثر : ١١] ، وفي المثل «هذه إحدى حظيّات لقمان».