والجملة الواقعة بعد أن خبر عن ضمير الشأن ، فسيبويه يجعل أن مع اسمها وخبرها سادّة مسدّ مفعولي فعل الظن. والأخفش يجعل أن مع جزئيها في مقام المفعول الأول (أي لأنه مصدر) ويقدّر مفعولا ثانيا. وذلك أن من خواص أفعال القلوب جواز دخول (أن) المفتوحة الهمزة بعدها فيستغني الفعل ب (أن) واسمها وخبرها عن مفعوليه.
وجيء بحرف لن الدال على تأكيد النفي لحكاية اعتقاد المشركين استحالة جمع العظام بعد رمامها وتشتتها.
قال القرطبي : نزلت في عدي بن ربيعة (الصواب ابن أبي ربيعة) قال للنبيصلىاللهعليهوسلم : يا محمد حدّثني عن يوم القيامة فأخبره رسول الله صلىاللهعليهوسلم فقال عدي : لو عاينت ذلك اليوم لم أصدقك أو يجمع الله العظام. فنزلت هذه الآية ، ألا قلت : إن سبب النزول لا يخصص الإنسان بهذا السائل.
والعظام : كناية عن الجسد كله ، وإنما خصت بالذكر لحكاية أقوالهم (مَنْ يُحْيِ الْعِظامَ وَهِيَ رَمِيمٌ) [يس : ٧٨] (أَإِذا كُنَّا عِظاماً وَرُفاتاً أَإِنَّا لَمَبْعُوثُونَ) [الإسراء : ٤٩] (أَإِذا كُنَّا عِظاماً نَخِرَةً) [النازعات : ١١] فهم احتجوا باستحالة قبول العظام للإعادة بعد البلى ، على أن استحالة إعادة اللحم والعصب والفؤاد بالأولى. فإثبات إعادة العظام اقتضى أن إعادة بقية الجسم مساو لإعادة العظم وفي ذلك كفاية من الاستدلال مع الإيجاز.
ثم إن كانت إعادة الخلق بجمع أجزاء أجسامهم المتفرقة من ذرات الله أعلم بها ، وهو أحد قولين لعلمائنا ، ففعل (نَجْمَعَ) محمول على حقيقته. وإن كان البعث بخلق أجسام أخرى على صور الأجسام الفانية سواء كان خلقا مستأنفا أو مبتدأ من أعجاب الأذناب على ما ورد في بعض الأخبار وهما قولان لعلمائنا. ففعل (نَجْمَعَ) مستعار للخلق الذي هو على صورة الجسم الذي بلي. ومناسبة استعارته مشاكلة أقوال المشركين التي أريد إبطالها لتجنب الدخول معهم في تصوير كيفية البعث ، ولذلك لا ترى في آيات القرآن إلّا إجمالها ومن ثم اختلف علماء الإسلام في كيفية إعادة الأجسام عند البعث. واختار إمام الحرمين التوقف ، وآيات القرآن ورد فيها ما يصلح للأمرين.
و (بَلى) حرف إبطال للنفي الذي دل عليه (أَلَّنْ نَجْمَعَ عِظامَهُ) فمعناه بل تجمع عظامه على اختلاف المحملين في معنى الجمع.
و (قادِرِينَ) حال من الضمير في الفعل المحذوف بعد (بَلى) الذي يدل عليه قوله :