وفعل (صَدَّقَ) مشتق من التصديق ، أي تصديق الرسول صلىاللهعليهوسلم والقرآن وهو المناسب لقوله : (وَلكِنْ كَذَّبَ).
والمعنى : فلا آمن بما جاء به الرسول صلىاللهعليهوسلم. وبعض المفسرين فسّر (صَدَّقَ) بمعنى أعطى الصّدقة ، وهو غير جار على قياس التصريف إذ حقه أن يقال : تصدق ، على أنه لا يساعد الاستدراك في قوله : (وَلكِنْ كَذَّبَ).
وعطف (وَلا صَلَّى) على نفس التصديق تشويها له بأن حاله مبائن لأحوال أهل الإسلام. والمعنى : فلم يؤمن ولم يسلم.
و (لا) نافية دخلت على الفعل الماضي والأكثر في دخولها على الماضي أن يعطف عليها نفي آخر وذلك حين يقصد المتكلم أمرين مثل ما هنا وقول زهير :
فلا هو أخفاها ولم يتقدم
وهذا معنى قول الكسائي «(لا) بمعنى (لم) ولكنه يقرن بغيره يقول العرب : لا عبد الله خارج ولا فلان ، ولا يقولون : مررت برجل لا محسن حتى يقال : ولا مجمل» ا ه فإذا لم يعطف عليه نفي آخر فلا يؤتى بعدها بفعل مضيّ إلّا في إرادة الدعاء نحو : «لا فضّ فوك» وشذ ما خالف ذلك. وأما قوله تعالى : (فَلَا اقْتَحَمَ الْعَقَبَةَ) [البلد : ١١] فإنّه على تأويل تكرير النّفي لأنّ مفعول الفعل المنفي بحرف لا وهو العقبة يتضمن عدة أشياء منفية بيّنها قوله : (وَما أَدْراكَ مَا الْعَقَبَةُ* فَكُّ رَقَبَةٍ أَوْ إِطْعامٌ) إلى قوله : (مِنَ الَّذِينَ آمَنُوا) [البلد : ١٢ ـ ١٧]. فلما كان ذلك متعلق الفعل المنفي كان الفعل في تأويل تكرير النفي كأنه قيل : فكّ رقبة ولا أطعم يتيما ولا أطعم مسكينا ولا آمن.
وجملة (وَلكِنْ كَذَّبَ) معطوفة على جملة (فَلا صَدَّقَ).
وحرف (لكِنْ) المخفف النون بالأصالة أي الذي لم يكن مخفّف النون المشددة أخت (إنّ) هو حرف استدراك ، أي نقض لبعض ما تضمنته الجملة التي قبله إما لمجرد توكيد المعنى بذكر نقيضه مثل قوله تعالى : (وَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُناحٌ فِيما أَخْطَأْتُمْ بِهِ وَلكِنْ ما تَعَمَّدَتْ قُلُوبُكُمْ) [الأحزاب : ٥] ، وإما لبيان إجمال في النفي الذي قبله نحو (ما كانَ مُحَمَّدٌ أَبا أَحَدٍ مِنْ رِجالِكُمْ وَلكِنْ رَسُولَ اللهِ) [الأحزاب : ٤٠].
وحرف (لكِنْ) المخفف لا يعمل إعرابا فهو حرف ابتداء ولذلك أكثر وقوعه بعد واو العطف وجملة (وَلكِنْ كَذَّبَ وَتَوَلَّى) أفادت معنيين : أحدهما توكيد قوله (فَلا