فلهذه المناسبة أعقب ذكر مجالس أهل الجنة ومتكآتهم ، بذكر ما يستتبعه مما تعارفه أهل الدنيا من أحوال أهل البذخ والترف واللذات بشرب الخمر إذ يدير عليهم آنية الخمر سقاة. وإذ قد كان ذلك معروفا لم تكن حاجة إلى ذكر فاعل الطواف فبني للنائب.
وهذا وعد لهم بإعطاء متمناهم في الدنيا مع مزيد عليه من نعيم الجنة «ما لا عين رأت ولا خطر على قلب بشر».
والطواف : مشي مكرر حول شيء أو بين أشياء ، فلما كان أهل المتكأ جماعة كان دوران السقاء بهم طوافا. وقد سمّوا سقي الخمر : إدارة الخمر ، أو إدارة الكأس. والسّاقي : مدير الكأس ، أو مدير الجام أو نحو ذلك.
والآنية : جمع إناء ممدودا بوزن أفعلة مثل كساء وأكسية ووعاء وأوعية اجتمع في أول الجمع همزتان مزيدة وأصلية فخففت ثانيتهما ألفا.
والإناء : اسم لكل وعاء يرتفق له ، وقال الراغب : ما يوضع فيه الشيء ا ه فيظهر أنه يطلق على كل وعاء يقصد للاستعمال والمداولة للأطعمة والأشربة ونحوهما سواء كان من خشب أو معدن أو فخار أو أديم أو زجاج ، يوضع فيه ما يشرب أو ما يؤكل ، أو يطبخ فيه ، والظاهر أنه لا يطلق على ما يجعل للخزن فليست القربة بإناء ولا الباطية بإناء ، والكأس إناء والكوز إناء والإبريق إناء والصحفة إناء.
والمراد هنا : آنية مجالس شرابهم كما يدل عليه ذكر الأكواب وذلك في عموم الآنية وما يوضع معه من نقل أو شواء أو نحو ذلك كما قال تعالى في آية الزخرف [٧١] (يُطافُ عَلَيْهِمْ بِصِحافٍ مِنْ ذَهَبٍ وَأَكْوابٍ).
وتشمل الآنية الكئوس. وذكر الآنية بعد (كَأْسٍ) [الإنسان : ٥] من قوله : (إِنَّ الْأَبْرارَ يَشْرَبُونَ مِنْ كَأْسٍ) [الإنسان : ٥] من ذكر العام بعد الخاص إلّا إذا أريد بالكأس الخمر.
والأكواب : جمع كوب بضم الكاف بعده واو ساكنة. والكوب : كوز لا عروة له ولا خرطوم له ، وتقدم في سورة الزخرف.
وعطف (أَكْوابٍ) على (آنية) من عطف الخاص على العام لأن الأكواب تحمل فيها الخمر لإعادة ملء الكئوس. ووصفت هنا بأنها من فضة ، أي تأتيهم آنيتهم من فضة في بعض الأوقات ومن ذهب في أوقات أخرى كما دلّ عليه قوله في سورة الزخرف [٧١] (يُطافُ عَلَيْهِمْ بِصِحافٍ مِنْ ذَهَبٍ وَأَكْوابٍ) لأن للذهب حسنا وللفضة حسنا فجعلت