آنيتهم من المعدنين النفيسين لئلا يفوتهم ما في كل من الحسن والجمال ، أو يطاف عليهم بآنية من فضة وآنية من ذهب متنوعة متزاوجة لأن ذلك أبهج منظرا مثل ما قال مرة (وَحُلُّوا أَساوِرَ مِنْ فِضَّةٍ) [الإنسان : ٢١] ، ومرة (يُحَلَّوْنَ فِيها مِنْ أَساوِرَ مِنْ ذَهَبٍ) [الكهف : ٣١] ، وذلك لإدخال المسرّة على أنفسهم بحسن المناظر فإنهم كانوا يتمنونها في الدنيا لعزة وجودها أو وجود الكثير منها ، وأوثر ذكر آنية الفضة هنا لمناسبة تشبيهها بالقوارير في البياض.
والقوارير : جمع قارورة ، وأصل القارورة إناء شبه كوز ، قيل : لا تسمى قارورة إلّا إذا كانت من زجاج ، وقيل مطلقا وهو الذي ابتدأ به صاحب «القاموس».
وسميت قارورة اشتقاقا من القرار وهو المكث في المكان وهذا وزن غريب.
والغالب أن اسم القارورة للإناء من الزجاج ، وقد يطلق على ما كان من زجاج وإن لم يكن إناء كما في قوله تعالى : (قالَ إِنَّهُ صَرْحٌ مُمَرَّدٌ مِنْ قَوارِيرَ) [النمل : ٤٤] وقد فسر قوله : (قَوارِيرَا) في هذه الآية بأنها شبيهة بالقوارير في صفاء اللون والرقة حتى كأنها تشفّ عما فيها.
والتنافس في رقة آنية الخمر معروف عند شاربيها قال الأعشى :
تريك القذى من دونها وهي دونه |
|
إذا ذاقها من ذاقها يتمطق |
وفعل (كانَتْ) هنا تشبيه بليغ ، والمعنى : إنها مثل القوارير في شفيفها ، وقرينة ذلك قوله : (مِنْ فِضَّةٍ) ، أي هي من جنس الفضة في لون القوارير لأن قوله (مِنْ فِضَّةٍ) حقيقة فإنه قال قبله (بِآنِيَةٍ مِنْ فِضَّةٍ).
ولفظ (قَوارِيرَا) الثاني ، يجوز أن يكون تأكيدا لفظيا لنظيره لزيادة تحقيق أن لها رقة الزجاج فيكون الوقف على (قَوارِيرَا) الأول.
ويجوز أن يكون تكريرا لإفادة التصنيف فإن حسن التنسيق في آنية الشراب من مكملات رونق مجلسه ، فيكون التكرير مثل ما في قوله تعالى : (وَالْمَلَكُ صَفًّا صَفًّا) [الفجر : ٢٢] وقول الناس : قرأت الكتاب بابا بابا فيكون الوقف على (قَوارِيرَا) الثاني.
وكتب في المصحف (قَوارِيرَا قَوارِيرَا) بألف في آخر كلتا الكلمتين التي هي علامة تنوين.
وقرأ نافع والكسائي وأبو بكر عن عاصم وأبو جعفر (قَوارِيرَا) الأول والثاني منونين