الكلام ترجح إحدى التعديتين كما تقدم بيان ذلك عند قوله تعالى : (وَلِرَبِّكَ فَاصْبِرْ) في سورة المدثر [٧].
ولما كان من ضروب إعراضهم عن قبول دعوته ضرب فيه رغبات منهم مثل أن يترك قرعهم بقوارع التنزيل من تأفين رأيهم وتحقير دينهم وأصنامهم ، وربما عرضوا عليه الصهر معهم ، أو بذل المال منهم ، أعقب أمره بالصبر على ما هو من ضروب الإعراض في صلابة وشدة ، بأن نهاه عن أن يطيعهم في الضرب الآخر من ضروب الإعراض الواقع في قالب اللين والرغبة.
وفي هذا النهي تأكيد للأمر بالصبر لأن النهي عنه يشمل كل ما يرفع موجبات الصبر المراد هنا.
والمقصود من هذا النهي تأييسهم من استجابته لهم حين يقرأ عليهم هذه الآية لأنهم يحسبون أن ما عرضوه عليه سيكون صارفا له عما هو قائم به من الدعوة إذ هم بعداء عن إدراك ماهية الرسالة ونزاهة الرسول صلىاللهعليهوسلم.
والطاعة : امتثال الطلب بفعل المطلوب وبالكف عن المنهي عنه فقد كان المشركون يعمدون إلى الطلب من النبي صلىاللهعليهوسلم أن يفعل ما يرغبون ، مثل طرد ضعفاء المؤمنين من المجلس ، والإتيان بقرآن غير هذا أو تبديله بما يشايع أحوالهم ، وأن يكف عما لا يريدون وقوعه من تحقير آلهتهم ، والجهر بصلاته ، فحذره الله من الاستماع لقولهم وإياسهم من حصول مرغوبهم.
ومقتضى الظاهر أن يقول : ولا تطعهم ، أو ولا تطع منهم أحدا ، فعدل عنه إلى (آثِماً أَوْ كَفُوراً) للإشارة بالوصفين إلى أن طاعتهم تفضي إلى ارتكاب إثم أو كفر ، لأنهم في ذلك يأمرونه وينهونه غالبا فهم لا يأمرون إلّا بما يلائم صفاتهم.
فالمراد بالآثم والكفور : الصنفان من الموصوفين وتعليق الطاعة المنهي عنها بهذين النوعين مشعر بأن الوصفين علة في النهى.
والآثم والكفور متلازمان فكان ذكر أحد الوصفين مغنيا عن الآخر ولكن جمع بينهما لتشويه حال المتصف بهما قال تعالى : (وَاللهُ لا يُحِبُّ كُلَّ كَفَّارٍ أَثِيمٍ) [البقرة : ٢٧٦].
وفي ذكر هذين الوصفين إشارة أيضا إلى زعيمين من زعماء الكفر والعناد وهما عتبة ابن ربيعة ، والوليد بن المغيرة ، لأن عتبة اشتهر بارتكاب المآثم والفسوق ، والوليد اشتهر