مرضاة الله للتوسل برضاه إلى تيسير سلوك سبل الخير لهم لأنهم إذا كانوا منه بمحل الرضى والعناية لطف بهم ويسّر لهم ما يعسر على النفوس من المصابرة على ترك الشهوات المهلكة ، قال تعالى : (فَسَنُيَسِّرُهُ لِلْيُسْرى) [الليل : ٧] فإذا لم يسعوا إلى مرضاة ربهم وكلهم إلى أحوالهم التي تعوّدوها فاقتحمت بهم مهامه العماية إذ هم محفوفون بأسباب الضلال بما استقرت عليه جبلّاتهم من إيثار الشهوات والاندفاع مع عصائب الضلالات ، وهو الذي أفاده قوله تعالى : (فَسَنُيَسِّرُهُ لِلْعُسْرى) [الليل : ١٠] ، أي نتركه وشأنه فتتيسر عليه العسرى ، أي تلحق به بلا تكلف ومجاهدة.
فجملة (وَما تَشاؤُنَ إِلَّا أَنْ يَشاءَ اللهُ) يجوز أن تكون عطفا على جملة (فَمَنْ شاءَ اتَّخَذَ إِلى رَبِّهِ سَبِيلاً) [الإنسان : ٢٩] أو حالا من (مَنْ يَشاءُ) [الإنسان : ٣١] وهي على كلا الوجهين تتميم واحتراس.
وحذف مفعول (تَشاؤُنَ) لإفادة العموم ، والتقدير : وما تشاءون شيئا أو مشيئا وعموم الأشخاص يستلزم عموم الأحوال والأزمنة ، أي ما تشاءون شيئا في وقت من الأوقات أو في حال من الأحوال.
وقد علل ارتباط حصول مشيئتهم بمشيئة الله ، بأن الله عليم حكيم ، أي عليم بوسائل إيجاد مشيئتهم الخير ، حكيم بدقائق ذلك مما لا تبلغ إلى معرفة دقائقه بالكنه عقول الناس ، لأن هنالك تصرفات علوية لا يبلغ الناس مبلغ الاطلاع على تفصيلها ولكن حسبهم الاهتداء بآثارها وتزكية أنفسهم للصد عن الإعراض عن التدبر فيها.
و (ما) نافية ، والاستثناء من عموم الأشياء المشيئة وأحوالها وأزمانها ، ولما كان ما بعد أداة الاستثناء حرف مصدر تعين أن المستثنى يقدر مصدرا ، أي إلّا شيء الله (بمعنى مشيئته) ، وهو صالح لاعتبار المعنى المصدري ولاعتبار الحالة ، ولاعتبار الزمان ، لأن المصدر صالح لإرادة الثلاثة باختلاف التأويل فإن قدر مضاف كان المعنى : إلّا حال مشيئة الله ، أو إلّا زمن مشيئته ، وإن لم يقدر مضاف كان المعنى : لا مشيئة لكم في الحقيقة إلّا تبعا لمشيئة الله.
وإيثار اجتلاب (أَنْ) المصدرية من إعجاز القرآن.
ويجوز أن يكون فعلا (تَشاؤُنَ) و (يَشاءَ اللهُ) منزلين منزلة اللازم فلا يقدر لهما مفعولان على طريقة قول البحتري :