وبناء هذه الأفعال الثلاثة بصيغة المبني للمجهول لأن المقصود الاعتبار بحصول الفعل لا بتعيين فاعله على أنه من المعلوم أن فاعلها هو الله تعالى إذ لا يقدر عليه غيره.
وجملة (وَإِذَا الرُّسُلُ أُقِّتَتْ) عطف على الجمل المتقدمة فهي تقييد لوقت حادث يحصل وهي مما جعل مضمونها علامة على وقوع ما يوعدون به فيلزم أن يكون مضمونها مستقبل الحصول وفي نظم هذه الجملة غموض ودقة. فأمّا (أُقِّتَتْ) فأصله وقتت بالواو في أوله ، يقال : وقّت وقتا ، إذا عين وقتا لعمل ما ، مشتقا من الوقت وهو الزمان ، فلما بني للمجهول ضمّت الواو وهو ضم لازم احترازا من ضمة (وَلا تَنْسَوُا الْفَضْلَ بَيْنَكُمْ) [البقرة : ٢٣٧] لأن ضمة الواو ضمة عارضة ، فجاز إبدالها همزة لأن الضم على الواو ثقيل فعدل عن الواو إلى الهمزة. وقرأه الجمهور (أُقِّتَتْ) بهمزة وتشديد القاف. وقرأه أبو عمرو وحده بالواو وتشديد القاف ، وقرأه أبو جعفر بالواو وتخفيف القاف.
وشأن (إِذا) أن تكون لمستقبل الزمان فهذا التأقيت للرسل توقيت سيكون في المستقبل ، وهو علامة على أن ما يوعدون يحصل مع العلامات الأخرى.
ولا خلاف في أن (أُقِّتَتْ) مشتقّ من الوقت كما علمت آنفا ، وأصل اشتقاق هذا الفعل المبني للمجهول أن يكون معناه : جعلت وقتا ، وهو أصل إسناد الفعل إلى مرفوعه ، وقد يكون بمعنى : وقّت لها وقت على طريقة الحذف والإيصال.
وإذ كان (إِذَا) ظرفا للمستقبل وكان تأجيل الرسل قد حصل قبل نزول هذه الآية ، تعيّن تأويل (أُقِّتَتْ) على معنى : حان وقتها ، أي الوقت المعيّن للرسل وهو الوقت الذي أخبرهم الله بأن ينذروا أممهم بأنّه يحلّ في المستقبل غير المعين ، وذلك عليه قوله : (لِأَيِّ يَوْمٍ أُجِّلَتْ لِيَوْمِ الْفَصْلِ) فإن التأجيل يفسر التوقيت.
وقد اختلفت أقوال المفسرين الأولين في محمل معنى هذه الآية فعن ابن عباس (أُقِّتَتْ) : جمعت أي ليوم القيامة قال تعالى : (يَوْمَ يَجْمَعُ اللهُ الرُّسُلَ) [المائدة : ١٠٩] ، وعن مجاهد والنخعي (أُقِّتَتْ) أجّلت. قال أبو علي الفارسي : أي جعل يوم الدين والفصل لها وقتا.
قال في «الكشاف» : «والوجه أن يكون معنى «وقتت» بلغت ميقاتها الذي كانت تنتظره وهو يوم القيامة» ا ه. وهذا صريح في أنه يقال : وقت بمعنى أحضر في الوقت المعيّن ، وسلمه شراح «الكشاف» وهو معنى مغفول عنه في بعض كتب اللغة أو مطوي بخفاء في بعضها.