وهذا الكلام يجوز أن يكون مرادا به مجرد الإخبار عن عظمة الله تعالى وكماله ويجوز أن يكون مع ذلك إنشاء ثناء على الله أثناه على نفسه ، وتعليما للناس كيف يثنون على الله ويحمدونه كما في (الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعالَمِينَ) [الفاتحة : ٢] : إمّا على وجه الكناية بالجملة عن إنشاء الثناء ، وإمّا باستعمال الصيغة المشتركة بين الإخبار والإنشاء في معنييها ، ولو صيغ بغير هذا الأسلوب لما احتمل هاذين المعنيين ، وقد تقدم في قوله تعالى : (تَبارَكَ الَّذِي نَزَّلَ الْفُرْقانَ عَلى عَبْدِهِ) [الفرقان : ١].
وجعل المسند إليه اسم موصول للإيذان بأن معنى الصلة ، مما اشتهر به كما هو غالب أحوال الموصول فصارت الصلة مغنية عن الاسم العلم لاستوائهما في الاختصاص به إذ يعلم كل أحد أن الاختصاص بالملك الكامل المطلق ليس إلّا لله.
وذكر (الَّذِي بِيَدِهِ الْمُلْكُ) هنا نظير ذكر مثله عقب نظيره في قوله تعالى : (تَبارَكَ الَّذِي نَزَّلَ الْفُرْقانَ عَلى عَبْدِهِ) إلى قوله : (الَّذِي لَهُ مُلْكُ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ) [الفرقان : ١ ـ ٢].
والباء في (بِيَدِهِ) يجوز أن تكون بمعنى (في) مثل الباء التي تدخل على أسماء الأمكنة نحو (وَلَقَدْ نَصَرَكُمُ اللهُ بِبَدْرٍ) [آل عمران : ١٢٣] وقول امرئ القيس :
بسقط اللوى
فالظرفية هنا مجازية مستعملة في معنى إحاطة قدرته بحقيقة الملك ، والملك على هذا اسم للحالة التي يكون صاحبها ملكا.
والتعريف في (الْمُلْكُ) على هذا الوجه تعريف الجنس الذي يشمل جميع أفراد الجنس ، وهو الاستغراق فما يوجد من أفراده فرد إلّا وهو مما في قدرة الله فهو يعطيه وهو يمنعه.
واليد على هذا الوجه استعارة للقدرة والتصرف كما في قوله تعالى : (وَالسَّماءَ بَنَيْناها بِأَيْدٍ) [الذاريات : ٤٧] وقول العرب : ما لي بهذا الأمر يدان.
ويجوز أن تكون الباء للسببية ، ويكون (الْمُلْكُ) اسما فيأتي في معناه ما قرر في الوجه المتقدم.
وتقديم المسند وهو (بِيَدِهِ) على المسند إليه لإفادة الاختصاص ، أي الملك بيده لا