الهادي والمضلّ ، واستدلوا بآيات منها قوله سبحانه : (إِنَّكَ لا تَهْدِي مَنْ أَحْبَبْتَ وَلكِنَّ اللهَ يَهْدِي مَنْ يَشاءُ) (١) ، وقالوا ـ حسبما ورد على لسان أبي الحسن الأشعري إمام الأشاعرة في العقائد ـ أنّه لا خالق إلا الله وأنّ أعمال العبد مخلوقة لله مقدّرة ، واستدلّ على مدعاه بقوله تعالى: (وَاللهُ خَلَقَكُمْ وَما تَعْمَلُونَ) (٢).
وأما الفرقة الثانية : وتسمّى بالعدليّة تمييزا لها عن الجبرية. والفرقة العدلية هي الفرقة الوحيدة من بين فرق المسلمين التي نزّهت الله سبحانه وتعالى عن الظلم والجور ، وأنه تعالى يعطي كل ذي حقّ حقه ، فلا يحيف بحكمه وأمره ، وأنّ كل شيء واقع تحت قدرته يصدر عن أمره ، إلّا أنّ أفعال العباد خيرها وشرّها ليست من صنع الله ولا أنه تعالى أجبرهم عليها ، بل الإنسان بنظر العدليّة مخيّر بأفعاله ، وذلك لما وهبه الله سبحانه وتعالى من العقل وحرية الاختيار.
فالخلاف بين العدليّة والأشاعرة يرجع بالأصل إلى التساؤل التالي :
* هل أمر الهداية والضلال بيد الله سبحانه وتعالى فلا يكون للعبد أي دور في الهداية أو الضلالة ، ـ فالضّال يعصي بلا اختيار منه والمهتدي يطيع بلا اختيار منه أيضا ، معتمدين على ظواهر بعض الآيات المتشابهة ـ أم أنّ المسألة بجوهرها تختلف عن ذلك البتة؟
والجواب :
صحيح أنّ هناك آيات قرآنية مفادها حصر الهداية والضلالة بالله سبحانه وتعالى ، إلّا أنّه لا يمكننا الأخذ بظواهر هذه الآيات ، وعزل قدرة العبد على الهداية والضلال ، فيبطل الثواب والعقاب والجنّة والنار.
هذا مضافا إلى أنّ هذه الآيات التي ظاهرها نسبة الهداية والضلال إليه
__________________
(١) سورة القصص : ٥٦.
(٢) سورة الصافات : ٩٦.