قبل وجوده من أوكد فرائضهم يوم ذاك لأجل منافعهم ، كذا معرفة الباري جلّ اسمه أصل الفرائض كلّها وهو أعظم من أن يدرك بشيء من الحواس ، فإن معرفة إمام الزمان من أوكد الفرائض أيضا مع عدم اشتراط العلم بمكانه أو الوصول إليه ، وإن كان هذان الأمران من شرائط كمال الإيمان.
الشبهة الرابعة عشرة :
إذا كان الإمام عندكم ـ أيّها الشيعة ـ غائبا ، ومكانه مجهولا ، فكيف يصنع المسترشد؟ وعلى ما ذا يعتمد الممتحن فيما لو نزل به حادث لا يعرف له حكما؟ وإلى من يرجع المتنازعون لا سيّما والإمام إنما نصّب لما وصفناه؟
والجواب :
لم ينصّب الإمام عليهالسلام لأجل هذين الأمرين فحسب ـ أعني الفصل بين المتخاصمين وبيان الحكم للجاهلين ـ بل مهامه أوسع منهما بحيث تشمل عامة مصالح الدنيا والدين ، غير أنه إنما يجب عليه القيام فيما نصّب له مع التمكّن من ذلك والاختيار ، وليس يجب عليه شيء لا يستطيعه ، ولا يلزمه فعل الإيثار مع الاضطرار ، ولم يؤت الإمام في التقية من قبل الله عزوجل ولا من جهة نفسه وأوليائه المؤمنين ، وإنما أوتي ذلك من قبل الظالمين الذين أباحوا دمه ودفعوا نسبه وأنكروا حقّه وحملوا الجمهور على عداوته ومناصبة القائلين بإمامته ، وكانت البلية فيما يضيع من الأحكام ويتعطل من الحدود ، ويفوت من الصلاح متعلقة بالظالمين ، وإمام الأنام بريء منها وجميع المؤمنين ، فأما الممتحن بحادث يحتاج إلى علم الحكم فيه فقد وجب عليه أن يرجع في ذلك إلى العلماء المخلصين من شيعة الإمام وليعلم ذلك من جهتهم بما استودعوه من أئمة الهدى المتقدمين ، وإن عدم ذلك ، ولم يكن فيه حكم منصوص على حال فيعلم أنه على حكم العقل ، لأنه لو أراد الله أن يتعبّد فيه بحكم سمعي لفعل ذلك ، ولو فعله لسهّل السبيل إليه. وهكذا القول في المتنازعين ، يجب عليهما ردّ ما اختلفا فيه إلى الكتاب والسنّة عن رسول الله وآله الطاهرين ويستعينوا في معرفة ذلك بعلماء الشيعة وفقهائهم.