ويلزم من الحديث الملفّق على رسول الله «لو لم أبعث فيكم لبعث عمر» أن يكون الرسول عذابا على عمر ، وأذى شديدا له ، لأنه لو لم يبعث لبعث عمر نبيّا ورسولا ، ولم تعلم رتبة أجلّ من رتبة الرسالة إلّا الإمامة المطلقة ، فالمزيل لعمر عن هذه الرتبة ، ينبغي ألّا يكون في الأرض أحد أبغض إليه منه!
ومقتضى كونه «سراجا لأهل الجنّة» أنه لو لم يكن تجلّى عمر لكانت الجنّة مظلمة لا سراج لها. وكيف يجوز أن يقال : لو نزل العذاب لم ينج منه إلّا عمر ، والله تعالى يقول : (وَما كانَ اللهُ لِيُعَذِّبَهُمْ وَأَنْتَ فِيهِمْ) (١).
وكيف يجوز أن يقال : إن النبيّ صلىاللهعليهوآلهوسلم كان يسمع الباطل ويحبّه ويشهده ، وعمر لا يسمع الباطل ولا يشهده ولا يحبه ، أليس هذا تنزيها لعمر عمّا لم ينزّه عنه رسول الله؟!
ولو كان محدّثا وملهما لما اختار معاوية الفاسق لولاية الشام ، ولكان الله تعالى قد ألهمه وحدّثه بما يواقع من القبائح والمنكرات والبغي والتغلب على الخلافة ، والاستئثار بمال الفيء ، وغير ذلك من المعاصي الظاهرة!
وقد ذبّ (٢) ابن أبي الحديد عمّا نسب إلى عمر من فضائل ، فقال :
«إنه ليس يجب فيما كان محدّثا ملهما أن يكون محدّثا ملهما في كل شيء بل الاعتبار بأكثر أفعاله وظنونه وآرائه ، ولقد كان عمر كثير التوفيق ، مصيب الرأي في جمهور أمره ، ومن تأمّل سيرته علم صحة ذلك ، ولا يقدح في ذلك أن يختلف ظنّه في القليل من الأمور».
يرد عليه :
١ ـ إذا كان الإلهام بأكثر أفعاله وظنونه فلم اعترض على رسول الله في كثير
__________________
(١) سورة الأنفال : ٣٣.
(٢) نفس المصدر ج ١٢ / ٣٠٩.