وقد استدل البعض ـ بهذا المقطع من المحاورة وبعض المقاطع الأخرى ـ على أن المحاورة فرضية ، وليس لها وجود خارجي ، فقال :
(إنه ـ أي العلوي ـ استدل بقول النبيّ صلىاللهعليهوآلهوسلم : «لا تجتمع أمتي على خطأ» على صحة قتل الناس عثمان بن عفان ، وجعل ذلك دليلا على عدم إيمانه.
وغني عن البيان : أن الإجماع على قتل من ارتكب جريمة يستحق لأجلها القتل ، لا يعني الإجماع على سلب صفة الإيمان عنه ، لأن الإيمان شيء ، وارتكاب الجرائم الموجبة للقتل شيء آخر ، قد يجتمعان ، وقد يختلفان.
والحديث الشريف إنما يدل على استحقاقه للعقوبة ، ولا يدل على إجماعهم على عدم إيمانه. وعدم إيمانه إنما يثبت بدلائل أخرى ، لا بد من تلمّسها ، والتأمل فيها ، هذا كله بالإضافة إلى أن عليّا ، وكثيرا ممن كانوا معه لم يشاركوا في قتله ، وذلك معروف ومشهور ، وإن كان قتله لم يسر عليا ولم يسؤه كما روي عنه عليهالسلام) (١).
ما قاله جيد إلّا أن فيه ملاحظتين :
الأولى : عدم مشاركة الأكثرية في قتل عثمان ، لا تلغي استحقاقه للقتل ، وما رواه عن الإمام عليّ عليهالسلام (٢) بأن قتل عثمان لم يسره ولم يسؤه ـ فهو بالغض عن سنده ـ ضعيف دلالة ، فلا يصلح أن يكون دليلا على عدم استحقاق عثمان للقتل ، أو لا يكشف على عدم الرضا الواقعي عند الإمام عليهالسلام ، كيف لا ، وقد ارتكب عثمان الكثير من الجرائر التي تستلزم إقامة الحد عليه ، وهذا قطعا مما يسر الإمام عليهالسلام لكونه مرغوبا به عند المولى عزوجل ، وليس قتله برزخا بين السرور
__________________
(١) مأساة الزهراء عليهاالسلام : ج ١ / ٣٧٣.
(٢) وهي ما رواه الواقدي من العامة عن الحكم بن الصلت عن محمد بن عمّار بن ياسر عن أبيه قال : رأيت عليّا عليهالسلام على منبر رسول الله حين قتل عثمان وهو يقول : «ما أحببت قتله ولا كرهته ولا أمرت به ولا نهيت عنه» وفي رواية قال : «ولا مالأت على قتله ، ولا ساءني ولا سرني».