وأخرج النسائي وابن ماجة عن أبي هريرة أنه قال : مات ميّت في آل رسول الله فاجتمع النساء يبكين عليه فقام عمر ينهاهنّ ويطردهنّ ، فقال رسول الله : دعهنّ يا عمر فإنّ العين دامعة ، والقلب مصاب ، والعهد قريب (١).
ولا أدري إذا كان كاشف الغطاء وأمثاله قد قرءوا هاتيك المرويات عن عمر بن الخطاب حتى استدعت حمية الغيارى على العروبة أن يستبعدوا ضرب عمر للصدّيقة الطاهرة بحجة أن السجايا تمنع ، أو أن الرأي العام ينقلب ضدهم؟!
وهلا منعت تلك السجايا الكريمة أو الرأي العام من ضرب عمر لاولئك النسوة بمرأى من النبيّ المختار؟ وهل أن السجايا وغير ذلك يمنع من ضرب الزكية ولا يمنع من ضرب أختها زينب وأم فروة وغيرهن حتى أهدر النبيّ دم هبّار الأسود الذي روّع زينب وألقت ذات بطنها؟! وهل أن جميع هذه المرويات كانت خافية عن كاشف الغطاء وفضل الله حتى قالا ما قالا؟ لا أظن من يدّعي الفقاهة لنفسه أن تكون هذه الروايات على تواترها الإجمالي خافية عليه ، أو غير كافية لاقتناعه!
ثانيا :
إن كاشف الغطاء يعترف بأنّ قنفذا لعنه الله تعالى ضرب الصدّيقة الزكية روحي لتراب نعليها الفداء ، فكيف لم تمنعه السجايا العربية من ضربها ، مع أن عمر وقنفذا عربيان ومن قبيلتين كبيرتين في الجزيرة العربية؟! وهل أن التبعض بالأحكام جائز عند كاشف الغطاء وأمثاله ، بحيث يصح نسبة الضرب إلى قنفذ ولا يصح نسبتها إلى عمر وأبي بكر؟ وما وجه الفصل في ذلك؟!
وهل إن باء قنفذ تجر هنا ، ولا تجر عند ما تصل النوبة إلى عمر؟!
قد يقال :
إن قنفذا كان مولى لأبي بكر ، والمولى لا يؤاخذ بشيء من تصرفاته ، فلا لوم عليه في هذه القضية.
__________________
(١) الغدير ج ٦ / ١٥٩ ـ ١٦٠ نقلا عن عمدة القاري ج ٤ / ٨٧.