قلنا : إن كونه مولى لأبي بكر لا يبرّر صحة فعله ، ما دامت التقاليد العربية تمنع ، فليست السجايا حكرا على السادة دون الموالي ، هذا مضافا إلى أن تصرف الموالي من دون إذن السادة يعتبر جريمة لا تغتفر آنئذ ، ولو صدر أمر من المولى بحق المرأة ، فإنه حتما سيواجه باستنكار الناس له ، مع التأكيد على أن قنفذا لم يضرب الصدّيقة الزهراء من دون إذن عمر بذلك كما أكدت المصادر التاريخية على هذا الأمر ، وقنفذ لعنه الله ليس الوحيد الذي اختصّ بضرب الزكية عليهاالسلام وإنما كان من ضمن مجموعة شاركته بذلك.
ثالثا :
بعد ما اعترف كاشف الغطاء أن السيرة والكتب والشعراء استفاضوا بذكر مظلومية الطاهرة الزكية ـ فديتها نفسي ـ فلما ذا لا يقبل وجدانه أن يكون عمر هو الذي ضربها عليهاالسلام بدعوى أن ضربه لها يوجب لحوق العار به ، وهل ـ يا ترى ـ يخاف عمر من العار ـ بعد ما فعله بالنسوة في عهد الرسالة وما فعله بالنبيّ في الحديبية وعلى فراش الموت ـ؟ وكيف يخاف العار وقد أمر قنفذا وخالدا والمغيرة بضرب حبيبة الله ورسوله وأمير المؤمنين؟! وهل ما استفاضت به كتب التاريخ منذ صدر الإسلام إلى يومنا هذا غير كافية لإقناع وجدان الشيخ ـ الفقيه حسبما يقولون ـ كاشف الغطاء ومسمّاه؟!
لا يحق لأي فقيه ـ مهما بلغت فقاهته علوا وارتقاء ـ أن يحكّم وجدانه وضميره وعاطفته في قضايا العقيدة والتاريخ وما شابههما ، لأن هذه القضايا تبتني على الأدلة العقلية والنقلية الصحيحة ، وبالأخص الأمور التاريخية التي لا يمكن استكشافها من خلال الوجدان والعاطفة بل ولا من خلال العقل ، لأن العقل دوره الكشف عما ثبت له بالنصوص الواردة والتحليل لمضمونها ، أما إنه يكشف من دون استعانة بالنصوص فهذا إن لم يكن من المستحيلات ، فهو على أقل تقدير من المتعذرات قطعا لم يدّعيها أحد لنفسه من الأولياء والمرسلين عليهمالسلام.