فالتجأ هو إلى إنكاره» (١) مع أنك قد عرفت أن القول بعدم التحريف هو المشهور ، بل المتسالم عليه بين علماء الشيعة.
وبالجملة : إنّ نسخ التلاوة باطل وذلك :
لأنه إما أن يكون قد وقع من رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم ، وإما أن يكون ممن تصدّى للزعامة من بعده ، فإن أراد القائلون بالنسخ وقوعه من رسول الله فهو أمر يحتاج إلى إثبات ، وقد اتفق العلماء أجمع على عدم جواز نسخ الكتاب بخبر الواحد ، منهم أبو إسحاق الشاطبي (٢) ، بل قطع الشافعي وأكثر أصحابه ، والمشهور عند الظاهريين بامتناع نسخ الكتاب بالسنّة المتواترة ، وإليه ذهب أحمد بن حنبل ، بل إن جماعة ممن قال بإمكان نسخ الكتاب بالسنة المتواترة منع وقوعه (٣) ، وعلى ذلك فكيف تصح نسبة النسخ إلى النبيّ بأخبار هؤلاء الرواة؟ مع أن نسبة النسخ إلى النبيّ صلىاللهعليهوآلهوسلم تنافي جملة من الروايات التي تضمنت أن الإسقاط قد وقع بعده ، وإن أرادوا أن النسخ قد وقع من الذين تصدّوا للزعامة بعد النبي فهو عين القول بالتحريف الذي يقول به أكثر علماء أهل السنّة (٤).
انتهينا هنا من بيان معنى التحريف وأقسامه ، والآن نشرع في النقطة التي وعدنا البحث فيها وهي :
صنوف النسخ في القرآن
تمهيد :
طبيعة كل تشريع يهدف الخير لأتباعه أن يكون مرنا وسهلا ليتكيّف أفراده بأحكامه ودساتيره بحيث لا يجعل منهم آلة صمّاء لا شعور لها ولا اختيار ، ولأن الصعوبة في التشريعات تستلزم النفور والإعراض ، لذا ما من طبيعة أية حركة
__________________
(١) تفسير روح المعاني ج ١ / ٢٤.
(٢) الموافقات للشاطبي ج ٣ / ١٠٦.
(٣) الإحكام في أصول الأحكام للآمدي ج ٣ / ٢١٧.
(٤) البيان ص ٢٠٦ بتصرف بسيط.