وعليه فإن النسخ ضرورة واقعية تتطلبها مصلحة الأمة ذاتها ، ولم يكد ينكر ما لهذه الظاهرة الدينية من فائدة وعوائد تعود على الأمّة ، وأعظم بها من حكمة إلهية بالغة.
التعريف بالنسخ :
أمّا لغة : هو تبديل الشيء من الشيء وهو غيره ، وبمعنى النقل والتحويل من مكان إلى مكان ، ونسخ الشيء بالشيء ينسخه وانتسخه : أزاله به وأداله ، والشيء ينسخ الشيء نسخا أي يزيله ويكون مكانه ، ويقال : نسخت الشمس الظل أي أزالته ، ونسخت الكتاب أي نقلته ، ونسخ الآية بالآية : إزالة حكمها بها ، وفي التنزيل : (ما نَنْسَخْ مِنْ آيَةٍ أَوْ نُنْسِها نَأْتِ بِخَيْرٍ مِنْها أَوْ مِثْلِها) (١) والآية الثانية ناسخة والأولى منسوخة.
وأمّا اصطلاحا : هو رفع ثابت في الشريعة بارتفاع أمره وزمانه ، سواء أكان الأمر المرتفع من الأحكام التكليفية أم الوضعية وغير ذلك ، والسر في تقييد الرفع بالأمر الثابت في الشريعة ليخرج به ارتفاع الحكم بسبب ارتفاع موضوعه خارجا كارتفاع وجوب الصوم بانتهاء شهر رمضان ، وارتفاع وجوب الصلاة بخروج وقتها ، وارتفاع مالكية شخص لماله بسبب موته ، فإن هذا النوع من ارتفاع الحكم لا يسمى نسخا ، ولا إشكال في إمكانه ووقوعه.
أو بعبارة : إن النسخ هو رفع الحكم الثابت السابق الظاهر في الدوام بتشريع لاحق بحيث لولاه لكان ثابتا ويظن أبديته مطلقا سواء أكان الحكم الناسخ والمنسوخ في شريعة واحدة أم في شرائع عدة ، كما أن كل شريعة لا حقة تنسخ الشريعة السابقة عليها (٢).
فرفع التشريع السابق الذي كان بحسب منظور المكلفين يقتضي الدوام
__________________
(١) سورة البقرة : ١٠٦.
(٢) الفوائد البهية ج ١ / ٣٦٠ الطبعة الثانية.