قال الرافعي وهو أحد أكابر علماء العامة : «ذهب جماعة من أهل الكلام ممن لا صناعة لهم إلّا الظن والتأويل ، واستخراج الأساليب الجدلية من كل حكم وكل قول إلى جواز أن يكون قد سقط عنهم من القرآن شيء ، حملا على ما وصفوا من كيفية جمعه» (١).
وهنا يجدر بنا أن نبحث في نقطتين :
النقطة الأولى : في صنوف النّسخ في القرآن.
وقبل بيانها ، نعيد مجملا ما قلناه سابقا (٢) في معنى التحريف وأقسامه ، فنقول : إن التحريف لغة :
«هو إمالة الشيء والعدول عن موضعه إلى جانب آخر» وهو بهذا واقع على ستة معان على سبيل الاشتراك ، خمسة صحيحة وواقعة ، وواحدة وقع الخلاف فيها.
(الأول) : تفسير القرآن بغير حقيقته ، وحمله على غير معناه ، وهذا من أبرز مصاديق التحريف ، وقد أبدع فيه كثير من أهل الضلالة والمذاهب الفاسدة حيث حرّفوا القرآن بتأويل آياته على آرائهم وأهوائهم ، لا سيّما الآيات المتعلقة بإمامة أمير المؤمنين وأولاده المعصومين عليهمالسلام ، وهو بهذا نقل الشيء عن موضعه وتحويله إلى غير وجهته الحقيقية ومنه قوله تعالى : (مِنَ الَّذِينَ هادُوا يُحَرِّفُونَ الْكَلِمَ عَنْ مَواضِعِهِ) (٣) وقال تعالى : (وَإِنَّ مِنْهُمْ لَفَرِيقاً يَلْوُونَ أَلْسِنَتَهُمْ بِالْكِتابِ لِتَحْسَبُوهُ مِنَ الْكِتابِ وَما هُوَ مِنَ الْكِتابِ وَيَقُولُونَ هُوَ مِنْ عِنْدِ اللهِ وَما هُوَ مِنْ عِنْدِ اللهِ وَيَقُولُونَ عَلَى اللهِ الْكَذِبَ وَهُمْ يَعْلَمُونَ) (٤).
__________________
(١) إعجاز القرآن للرافعي ص ٤١.
(٢) مرّ في بحوث هذا الكتاب ، وفي كتابنا الفوائد البهية ج ١ / ٥٣٥ الطبعة الثانية.
(٣) سورة النساء : ٤٦.
(٤) سورة آل عمران : ٧٨.