الحقيقي من اللفظة الظاهرة بطبعها في العموم ، فجاء المخصص كاشفا عن الواقع المقصود ، فكان كل من النسخ والتخصيص أداة كشف عن المراد الحقيقي للمشرّع الأول الحكيم.
شروط النسخ :
حتى نميّز النسخ عن غيره لا بدّ له من شروط هي :
أولا : كما لو تحقق التنافي بين تشريعين وقعا في القرآن ، بحيث لا يمكن اجتماعهما في تشريع مستمر ، تنافيا ذاتيا ، كما في آيات وجوب الصفح مع آيات القتال ، كقوله تعالى : (قُلْ لِلَّذِينَ آمَنُوا يَغْفِرُوا لِلَّذِينَ لا يَرْجُونَ أَيَّامَ اللهِ) (١).
(وَدَّ كَثِيرٌ مِنْ أَهْلِ الْكِتابِ لَوْ يَرُدُّونَكُمْ مِنْ بَعْدِ إِيمانِكُمْ كُفَّاراً حَسَداً مِنْ عِنْدِ أَنْفُسِهِمْ مِنْ بَعْدِ ما تَبَيَّنَ لَهُمُ الْحَقُّ فَاعْفُوا وَاصْفَحُوا حَتَّى يَأْتِيَ اللهُ بِأَمْرِهِ) (٢).
أمرت الآية الأولى بالصفح عن المشركين في مكة ، حيث كان فيها المؤمنون ضعافا ، بينما أمرت الآية الثانية بالصفح عن أهل الكتاب في بدء الهجرة النبوية حيث لم تلتئم بعد عرى شوكة المسلمين.
فنسخت الأولى بالأذن في القتال أولا (أُذِنَ لِلَّذِينَ يُقاتَلُونَ بِأَنَّهُمْ ظُلِمُوا وَإِنَّ اللهَ عَلى نَصْرِهِمْ لَقَدِيرٌ) (٣) تم التحريض عليه ثانيا (يا أَيُّهَا النَّبِيُّ حَرِّضِ الْمُؤْمِنِينَ عَلَى الْقِتالِ) (٤) وأخيرا باستئصال المشركين عامة : (فَاقْتُلُوا الْمُشْرِكِينَ حَيْثُ وَجَدْتُمُوهُمْ) (٥) وكذا نسخت الآية الثانية بمنابذة أهل الكتاب (حَتَّى يُعْطُوا الْجِزْيَةَ عَنْ يَدٍ وَهُمْ صاغِرُونَ) (٦).
__________________
(١) سورة الجاثية : ١٤.
(٢) سورة البقرة : ١٠٩.
(٣) سورة الحج : ٣٩.
(٤) سورة الأنفال : ٦٥.
(٥) سورة التوبة : ٥.
(٦) سورة التوبة : ٢٩.