قعدا عندها حوّلت وجهها إلى الحائط ، فسلّما عليها ، فلم ترد التحية (السلام) عليهما ، فتكلم أبو بكر فقال : يا حبيبة رسول الله! والله إن قرابة رسول الله أحبّ إليّ من قرابتي ، وإنك لأحبّ إليّ من عائشة ابنتي ، ولوددت يوم مات أبوك أني متّ ، ولا أبقى بعده ، أفتراني أعرفك وأعرف فضلك وشرفك وأمنعك حقك وميراثك من رسول الله ، إلا أني سمعت أباك رسول الله صلّى الله عليه [وآله] وسلّم يقول : «لا نورّث ، ما تركنا فهو صدقة» ، فقالت : أرأيتكما إن حدثتكما حديثا عن رسول الله صلّى الله عليه [وآله] وسلّم تعرفانه وتفعلان به؟ قالا : نعم ، فقالت : نشدتكما الله ألم تسمعا رسول الله يقول : رضا فاطمة من رضاي ، وسخط فاطمة من سخطي ، فمن أحبّ فاطمة ابنتي فقد أحبني ، ومن أرضى فاطمة فقد أرضاني ، ومن أسخط فاطمة فقد أسخطني»؟ قالا : نعم سمعناه من رسول الله صلّى الله عليه [وآله] وسلّم ، قالت : فإني أشهد الله وملائكته أنكما أسخطتماني وما أرضيتماني ، ولئن لقيت النبيّ لأشكونّكما إليه ، فقال أبو بكر : أنا عائذ بالله تعالى من سخطه وسخطك يا فاطمة ، ثم انتحب أبو بكر يبكي ، حتى كادت نفسه أن تزهق ، وهي تقول : والله لأدعونّ الله عليك في كل صلاة أصليها ، ثم خرج باكيا فاجتمع إليه الناس ، فقال لهم : يبيت كلّ رجل منكم معانقا حليلته مسرورا بأهله وتركتموني وما أنا فيه ، لا حاجة لي في بيعتكم ، أقيلوني بيعتي. قالوا : يا خليفة رسول الله ، إن هذا الأمر لا يستقيم ، وأنت أعلمنا بذلك ، إنه إن كان هذا لم يقم لله دين ، فقال : والله لو لا ذلك وما أخافه من رخاوة هذه العروة ما بت ليلة ولي في عنق مسلم بيعة ، بعد ما سمعت ورأيت من فاطمة (١).
ـ وقال في موضع آخر تحت عنوان : إبانة عليّ كرّم الله وجهه بيعة أبي بكر.
«ثم إن عليّا كرّم الله وجهه أتي به إلى أبي بكر وهو يقول : أنا عبد الله وأخو رسوله ، فقيل له : بايع أبا بكر ، فقال : أنا أحقّ بهذا الأمر منكم ، لا أبايعكم وأنتم
__________________
(١) الإمامة والسياسة المعروف ب «تاريخ الخلفاء» ج ١ / ٣١.