إشارات عرفانية :
والتشبيه بالشمس المجلّلة بالسحاب ترمز إلى أمور :
الأول : أن نور الوجود والعلم والهداية ، يصل إلى الخلق بتوسطه عليهالسلام إذ ثبت بالأخبار المستفيضة أنهم العلل الغائية لإيجاد الخلق ، فلولاهم لم يصل نور الوجود إلى غيرهم ، وببركتهم والاستشفاع بهم ، والتوسّل إليهم تظهر العلوم والمعارف على الخلق ، وتكشف البلايا عنهم ، فلولاهم لاستحق الخلق بقبائح أعمالهم أنواع العذاب كما قال تعالى : (وَما كانَ اللهُ لِيُعَذِّبَهُمْ وَأَنْتَ فِيهِمْ) (١) ولقد تفضّل علينا الله تعالى بالإنعام وتفريج الكرب عند انغلاق الأمور وإعضال المسائل ـ كما تفضّل على العلّامة المجلسي أعلى الله مقامه (٢) ـ لمّا توسّلنا بهم واستشفعنا بحقهم ، فهذا حاصل لكلّ عبد أناب إلى ربّه وتوجّه إلى وجهه ، وهم عليهمالسلام وجهه الذي لا بدّ للعباد أن يعرجوا إليه من خلالهم ، إذ بقدر ما يحصل الارتباط المعنوي بهم ، تنكشف تلك الأمور الصعبة ، وتنجلي الكرب والبلوى.
الثاني : كما أن الشمس المحجوبة بالسحاب مع انتفاع الناس بها ينتظرون في كل آن انكشاف السحاب عنها وظهورها ، ليكون انتفاعهم بها أكثر ، فكذلك في أيام غيبته عليهالسلام ينتظر المخلصون من شيعته خروجه وظهوره في كل وقت وزمان ولا ييأسون منه.
الثالث : أن منكر وجوده عليهالسلام مع وفور ظهور آثاره كمنكر وجود الشمس إذا غيّبها السحاب عن الأبصار.
الرابع : أن الشمس قد يكون غيابها في السحاب أصلح للعباد من ظهورها لهم بغير حجاب ، فكذلك غيبته عليهالسلام أصلح لهم في تلك الأزمان ، فلذا غاب عنهم.
__________________
(١) سورة الأنفال : ٣٣.
(٢) قد أفاد العلّامة المجلسي عليه الرحمة هذا الأمر في بحاره ج ٥٢ / ٩٣.