وكل ما يدعو إلى الله عزوجل كالعلماء الربّانيين ، قال تعالى : (لَقَدْ أَرْسَلْنا رُسُلَنا بِالْبَيِّناتِ وَأَنْزَلْنا مَعَهُمُ الْكِتابَ وَالْمِيزانَ لِيَقُومَ النَّاسُ بِالْقِسْطِ) (١) وهذا القسم من الهداية يشمل كافة المكلّفين من الجن والإنس ، ولا يختصّ بطائفة دون أخرى ، ولا بجيل دون آخر ، والهداية العامة بكلا قسميها قد منحهما الله سبحانه للمكلّفين تكوينا وتشريعا على نحو الجبر والاختيار ، فالهداية التكوينية جبرية وليس للإنسان فيها صنع ، كحركات الأعضاء الداخلية (القلب ، الرئتين ..) وبقية الأعضاء التي تعمل دون اختيارنا وإرادتنا.
والهداية التشريعية اختيارية بمعنى أنّ بمقدور الإنسان أن يعمل بأوامر الشريعة ، أو لا يعمل ، فهو مختار لأن يسلك طريق الشريعة أو لا يسلكها.
* وأمّا الهداية الخاصة فلا قسيم لها ، بل هي عبارة عن عناية ربّانية يهبها الله سبحانه لخاصّة عبيده ، حسبما تقتضيه حكمته ، فيهيئ لهم ما به يهتدون إلى كمالهم ، ويصلون بواسطته إلى مقصودهم. والهداية الخاصة مشروطة ومعلّقة على الهداية العامة ، ومنها قوله تعالى : (وَالَّذِينَ جاهَدُوا فِينا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنا وَإِنَّ اللهَ لَمَعَ الْمُحْسِنِينَ) (٢).
فيكون معنى الإضلال الوارد في بعض الآيات القرآنية هو منعهم من هذه المواهب والألطاف الخاصة ، وخذلانهم في الحياة الدنيا منها ، لأنهم هم الذين منعوا من وصولها إليهم نتيجة تركهم العمل بالهداية العامة ، ولو عملوا بها لأفاض عليهم من ألطافه وإكرامه ، لأنّ الارتياض الروحي المعبّر عنه بالجهاد الأكبر الذي هو جهاد النفس الأمّارة بالسوء لازمه أن يمدّه الله سبحانه بهداية السبيل والوصول إلى شاطئ الأمان ، قال تعالى واعدا العاملين بإخلاص أن يفيض عليهم من التوفيقات الخاصة بقوله عزّ اسمه : (وَالَّذِينَ اهْتَدَوْا زادَهُمْ هُدىً) (٣).
__________________
(١) سورة الحديد : ٢٥.
(٢) سورة العنكبوت : ٦٩.
(٣) سورة محمد : ١٧.