على ماء الحوأب؟ فلفّق لها الزبير وطلحة خمسين أعرابيا جعلا لهم جعلا ، فحلفوا لها ، وشهدوا أن هذا الماء ليس بماء الحوأب ، فكانت أول شهادة زور في الإسلام ، ثم سارت عائشة لوجهها(١).
تراكمت كل هذه الأسباب لتشنّ عائشة حربا لا هوادة فيها على الإمام عليّ حبيب الله ورسوله ، بحجة المطالبة بدم عثمان ، وكأنّ الإمام عليهالسلام ـ بنظر عائشة ـ هو القاتل لعثمان ، ولكنّه عذر يخفي ضغائن تغلي في الصدور ، وهل قتل عثمان بالبصرة ليطلب دمه فيها؟ فقتلة عثمان كانوا في المدينة مع عائشة فلم لم تقتص منهم عائشة هناك؟! مع أنّ عائشة وجماعتها كانوا من أشدّ الناس على عثمان ، وأعظمهم إغراء بدمه. ولكنها الخلافة التي نغّصت العيش عليها كيف وصلت إلى ابن أبي طالب عليهالسلام بل يجب أن يبقى بعيدا عنها لأنها محرّمة على الهاشميين حيث لا تجتمع النبوة والخلافة في بيت واحد ـ حسبما صرّح عمر بن الخطاب لابن عبّاس ـ.
والعجب ثم العجب من الزبير الذي ذهب للبصرة للطلب بدم عثمان ، مع أنه بايع أمير المؤمنين يوم مات رسول الله وهو آخذ قائم سيفه يقول : ما أحد أحقّ بالخلافة من عليّ عليهالسلام ولا أولى بها منه ، وامتنع من بيعة أبي بكر!
لقد نفثت عائشة عمّا يجول في صدرها يوم أقبلت على جملها ، فنادت بصوت مرتفع : «أيّها الناس ، أقلّوا الكلام واسكتوا ، فأسكت الناس لها ، فقالت : إن أمير المؤمنين عثمان قد كان غيّر وبدّل ، ثم لم يزل يغسل ذلك بالتوبة حتى قتل مظلوما تائبا ، وإنما نقموا عليه ضربه بالسوط ، وتأميره الشبّان ، وحمايته موضع الغمامة ، فقتلوه محرما في حرمة الشهر وحرمة البلد ذبحا كما يذبح الجمل ، ألا وإنّ قريشا رمت غرضها بنبالها ، وأدمت أفواهها بأيديها ، وما نالت بقتلها إياه شيئا ، ولا سلكت به سبيلا قاصدا ، أما والله ليرونّها بلايا عقيمة تنبّه النائم ، وتقيم
__________________
(١) نفس المصدر.