فالقول بالجبر عند بعض الصحابة يعبّر عن المصلحة السلوكية والازدواجية الشخصية التي كان يسلكها بعض الصحابة لتبرير أفعالهم الشريرة ، فابتدعوا نصوصا حلّلوا من خلالها الحرام ، وحرّموا الحلال تحقيقا لأغراضهم وإشباعا لرغباتهم ، ويكفي في ذلك ما فعله ابن الخطّاب عمر وصاحبه من اجتهادات واستحسانات قلبت موازين الشرع المبين ، وأسوأ شاهد على ما ذكرنا ما فعلاه يوم السقيفة وغصبهما للخلافة ولنحلة سيّدة نساء العالمين واتهامهما إياها بالكذب ، وقد طهّرها الله سبحانه في محكم آية التطهير ، والدخول عليها عنوة وجهرة أمام المسلمين ، وتوهينهم لها بضربها وكسر ضلعها ، وتسويد متنها إلى ما هنالك من مخازي يخجل القلم عن سردها.
وكان الحافز لاعتقاد هؤلاء بالجبر ـ كما اعتقده مشركو الجزيرة العربية (١) ـ هو تدعيم شرورهم بمنطق الدين والأمر الإلهي لهم ، وليصبغوا الشرعية على سلطنتهم وملكهم ، ولإخماد كل ثورة تطلّ عليهم بين الحين والآخر.
ويرجع الفضل في تثبيت دعائم فكرة الجبر إلى معاوية بن أبي سفيان لتدعيم حكمهم ـ كما أسلفنا ـ فبالغوا في ترويجها حتى ألجأهم الأمر إلى قتل من يرفضها ، فيروى أن معبد الجهني وغيلان الدمشقي اللذان رفضا فكرة الجبر قتلا على يد الحجّاج بن يوسف الثقفي وهشام بن عبد الملك.
ثم تسلسلت فكرة الجبر إلى أن تسلّمها أبو الحسن الأشعري وقلّده فيها جمهور العامة ، لذا ينسبون إليه بالعقائد فيقال : إنهم أشعريون أصولا وأحناف أو مالكون أو حنبليون أو شافعيون فروعا.
أمّا المنكرون منهم لمسألة الجبر قليلون أمثال :
__________________
(١) كما قصّ القرآن الكريم حالهم بقوله تعالى : (وَإِذا فَعَلُوا فاحِشَةً قالُوا وَجَدْنا عَلَيْها آباءَنا وَاللهُ أَمَرَنا بِها قُلْ إِنَّ اللهَ لا يَأْمُرُ بِالْفَحْشاءِ أَتَقُولُونَ عَلَى اللهِ ما لا تَعْلَمُونَ) (الأعراف / ٢٨) وليراجع الفوائد البهية ج ١ / ١٩٦.