اللحاق بك ، قلّ يا رسول الله عن صفيتك صبري ، ورقّ عنها تجلّدي ، إلّا أنّ لي في التأسي بعظيم فرقتك ، وفادح مصيبتك ، موضع تعزّ ، فلقد وسّدتك في ملحودة قبرك ، وفاضت بين نحري وصدري نفسك.
إنّا لله وإنّا إليه راجعون ، فلقد استرجعت الوديعة ، وأخذت الرهينة ، أما حزني فسرمد ، وأما ليلي فمسهّد ، إلى أن يختار الله لي دارك التي أنت بها مقيم ، وستنبّئك ابنتك بتضافر أمّتك على هضمها ، فأحفها السؤال ، واستخبرها الحال ، هذا ولم يطل العهد ، ولم يخل منك الذكر ، والسّلام عليكما سلام مودّع ، لا قال ولا سئم ، فإن أنصرف فلا عن ملالة ، وإن أقيم فلا عن سوء ظنّ بما وعد الله الصّابرين] (١).
هذه الشكوى منه عليهالسلام لحبيبه رسول الله تكشف عن واقع الأمة المتخاذلة بعد وفاة نبيّها ، فبدلا من أن تقف لتدافع عن أعزّ الخلق إلى محمّد رسول الله ، وقفت وتعاونت وتضافرت على هضم ابنته والاعتداء عليها ، مع أن المرء يحفظ في ولده ، مما يستلزم القول أن الأمة ارتدت عن بكرة أبيها إلّا خمسة آنذاك ، فسكوت الأمة على الظلم يعني أنها راضية به ، لأن حلف النفاق في ذاك اليوم لم يكن بمقدورهم الاعتداء على بضعة المصطفى لو وجدت ـ بنفسي هي وأبي وأمي ـ أنصارا يدفعون عنها درّة عمر بن الخطّاب وسوط خالد وقنفذ.
لو أن الأمة وقفت إلى جنبها عليهاالسلام لما تربع أصحاب السقيفة على سدّة الخلافة!؟ إن تخاذل الأمة أدى إلى كل ذلك ، مما يعني أن الأمة كلّها هضمت سيّدة الطهر حقّها ، وستنبّأ أباها تأكيدا بما جرى عليها من أمته ، مع أنه لم يطل بموته العهد ، ولم يخل منه الذكر.
وهنا نبحث في عدة نقاط :
__________________
(١) نهج البلاغة / محمد عبده ص ٢٠٧ خطبة ١٩٧ وشرح النهج / صبحي الصالح ص ٣١٩ خطبة ٢٠٢ وشرح النهج / العلّامة الميرزا حبيب الله ج ١٣ / ٣.