شرّعه إلّا وهو يعلم أن له أمدا ينتهي إليه ، وإنما المصلحة الواقعية اقتضت هذا التشريع المؤقت ، وقد شرّعه عزوجل وفقا لتلك المصلحة المحدودة من أول الأمر.
من هنا نعرف سرّ علاقة النسخ بالبداء ، فإنه لا فرق بينهما سوى أن الأول خاص بالتشريع ، والثاني خاص بالتكوين ، فالنسخ والبداء بمعناهما الباطل أعني تبدل الرأي أو نشأة رأي جديد ممتنع بالقياس إلى علمه الأزلي ، وأما بمعناهما الثاني الصحيح وهو إخفاء الأمر على المكلفين اختبارا وامتحانا ومصلحة لهم ولطفا بهم ورحمة ، هذا المفهوم لا غبار عليه في الشريعة الإسلامية المقدّسة وضرورة العقل ، إذ إنه ظهور شيء بعد خفائه على الناس ، حيث يتميّز النسخ عن البداء ، أن النسخ عبارة عن ظهور أمد الحكم كان معلوما عنده تعالى ، خافيا على الناس ، والبداء ظهور أمر أو أجل من حياة كائن أو موته وما إلى ذلك كان محتّما عنده تعالى بعلمه الذاتي ، ولكنه كان خافيا على الناس ، ثم بدا لهم أي ظهرت لهم الحقيقة بعد خفائها عليهم.
ويفترق النسخ عن البداء ، أن النسخ شامل للأحكام التشريعية التقنينية من دون استثناء إذا اقتضت المصلحة ذلك ، أما البداء فلا يشمل المحتوم وما في اللوح المحفوظ.
وبعبارة : إنّ البداء يقتصر على ما في لوح المحو والإثبات «القدر» دون القضاء المبرم المحتوم أو ما يسمّى ب «اللوح المحفوظ».
والخلاصة : إن للبداء في التكوين ـ كالنسخ في التشريع ـ معنيين ، يكون بأحدهما مستحيلا بشأنه تعالى ، وجائزا بالمعنى الآخر ، وبذلك يفسر قوله تعالى (يَمْحُوا اللهُ ما يَشاءُ وَيُثْبِتُ وَعِنْدَهُ أُمُّ الْكِتابِ) (١) وغيرها من الآيات. والبداء الذي تقول به الشيعة ـ مستندا إلى الآية الكريمة ـ هو بذلك المعنى الجائز ، نظير النسخ من غير فرق.
__________________
(١) سورة الرعد : ٣٩.