منافاة بين الآيتين ، حيث كانت الأولى ندبا في مطلق الصدقات المستحبة ، وكانت الثانية فرضا في الزكاة الواجبة خاصة.
ثانيا : من شروط النسخ أن يكون التنافي كليا على الإطلاق ، لا جزئيا وفي بعض الجوانب ، فإن هذا الثاني تخصيص في الحكم العام ، وليس من النسخ في شيء ، فآية القواعد من النساء (١) ، لا تصلح ناسخة لآية (٢) الغض ، بعد أن كانت الأولى أخص من الثانية ، والخاص لا ينسخ العام ، بل يخصصه بما عداه من أفراد الموضوع ، وكما في تحليل السمك والجراد لا يكون نسخا لآية تحريم الميتة (٣) حتى ولو فرضنا صدق الميتة على السمك الذي أخرج من الماء حيا فمات ، والجراد المأخوذ حيا ثم يموت ، فإن هذا تخصيص في الآية على الفرض لا نسخ ، أو أنه من باب الحكومة بمعنى أن حلية أكل الجراد والسمك شرعا من باب حكومة دليليهما على أصل الحرمة.
ثالثا : أن لا يكون الحكم السابق محددا بأمد صريح ، حيث الحكم بنفسه يرتفع عند انتهاء أمده ، من غير حاجة إلى نسخ. فمثل قوله تعالى : (فَقاتِلُوا الَّتِي تَبْغِي حَتَّى تَفِيءَ إِلى أَمْرِ اللهِ)(٤) لا يصدق عليه النسخ عند ما تفيء الباغية وترجع إلى رشدها ، والتسليم لحكم الله.
نعم في مثل قوله تعالى : (أَوْ يَجْعَلَ اللهُ لَهُنَّ سَبِيلاً) (٥) يصدق النسخ عند ما يأتي البيان ، لأن التلميح إلى تحديد الحكم معلّقا على بيان جديد ، لا يوجب ارتفاع الحكم إلا بعد أن يأتي حكم جديد ، وما لم يأت البيان فالحكم الأول ثابت ومستمر على أحكامه.
__________________
(١) سورة النور : ٦٠.
(٢) سورة النور : ٣١.
(٣) سورة البقرة : ١٧٣.
(٤) سورة الحجرات : ٩.
(٥) سورة النساء : ١٥.