بدعوى إنكار تأثير الظواهر الطبيعية بعضها ببعض ورفض مبدأ السببية والمسببيّة كما مرّ معنا سابقا.
ولكن ما ادّعاه الأشعري مردود :
أولا : بما ورد من الآيات الأخرى التي تنسب الخلق إلى غيره بإذنه تعالى كما في قوله تعالى: (وَإِذْ تَخْلُقُ مِنَ الطِّينِ كَهَيْئَةِ الطَّيْرِ بِإِذْنِي فَتَنْفُخُ فِيها فَتَكُونُ طَيْراً بِإِذْنِي وَتُبْرِئُ الْأَكْمَهَ وَالْأَبْرَصَ بِإِذْنِي وَإِذْ تُخْرِجُ الْمَوْتى بِإِذْنِي) (١) ، (أَنِّي أَخْلُقُ لَكُمْ مِنَ الطِّينِ كَهَيْئَةِ الطَّيْرِ فَأَنْفُخُ فِيهِ فَيَكُونُ طَيْراً بِإِذْنِ اللهِ) (٢) ، (وَتَخْلُقُونَ إِفْكاً) (٣).
فدلالات الآيات واضحة على نوعين من الخلق :
الأول : خلق الأجساد.
الثاني : خلق الأعمال.
فالإنسان قد يخلق الأجساد من العدم بإذنه تعالى وقدرته ، وكذا يمكنه أن يخلق أفعالا حسنة وشريرة بما أعطاه سبحانه من القدرة التي بها فعل القبيح ولكن ليس معنى ذلك أنه أمره بالقبيح ، وإنما أساء استعمالها في موردها الصحيح.
كما ويمكن للإنسان أن تصدر منه أفعال هي من مختصات الباري إلّا أنه أجازها لغيره تبعا لقدرته عزوجل أمثال الرزق والزرع الغلبة والنصر ، فإنه وإن وردت آيات في حصر هذه الأمور به تعالى لكن في مقابلها آيات تفيد إمكان الإنسان أن يزرق غيره بإذنه تعالى وأن يزرع وأن ينصر ، كل ذلك بتوسط القدرة التي حباها الله لعباده.
قال تعالى : (إِنَّ اللهَ هُوَ الرَّزَّاقُ ذُو الْقُوَّةِ الْمَتِينُ) (٤).
__________________
(١) سورة المائدة : ١١٠.
(٢) سورة آل عمران : ٤٩.
(٣) سورة العنكبوت : ١٧.
(٤) سورة الذاريات : ٥٨.