وإن كان الأفضل مناكحة من يعتقد الإيمان ، وترك مناكحة من ضمّ إلى ظاهر الإسلام ضلالا لا يخرجه عن الإسلام ، إلّا أن الضرورة متى قادت إلى مناكحة الضالّ مع إظهاره كلمة الإسلام زالت الكراهة من ذلك ، وساغ ما لم يكن بمستحب مع الاختيار. وأمير المؤمنين عليهالسلام كان محتاجا إلى التأليف وحقن الدماء ، ورأى أنه إن بلغ مبلغ عمر عمّا رغب فيه من مناكحته ابنته أثّر ذلك الفساد في الدين والدنيا ، وأنه إن أجاب إليه أعقب صلاحا في الأمرين ، فأجابه إلى ملتمسه لما ذكرناه.
والوجه الآخر : أن مناكحة الضال (كجحد الإمامة ، وادّعائها لمن لا يستحقها) حرام إلّا أن يخاف الإنسان على دينه ودمه ، فيجوز له ذلك ، كما يجوز له إظهار كلمة الكفر المضادة لكلمة الإيمان ، وكما يحل له أكل الميتة والدم ولحم الخنزير عند الضرورات ، وإن كان ذلك محرّما مع الاختيار.
وأمير المؤمنين عليهالسلام كان مضطرا إلى مناكحة الرجل لأنه يهدّده ويواعده ، فلم يأمنه أمير المؤمنين عليهالسلام على نفسه وشيعته ، فأجابه إلى ذلك ضرورة كما قلنا إن الضرورة تشرّع إظهار كلمة الكفر قال تعالى : (إِلَّا مَنْ أُكْرِهَ وَقَلْبُهُ مُطْمَئِنٌّ بِالْإِيمانِ) (١).
وبالغض عن ذلك ، فقد روى اليعقوبي (٢) : أن عمر أمهرها عشرة آلاف دينار. وقال العسقلاني : «إن عمر أمهرها أربعين ألفا ، وأنها ولدت لعمر ابنيه : زيد ورقيّة ، وبعد وفاة عمر تزوجها عوف (عون ظ) بن جعفر بن أبي طالب ، وذكر الدارقطني في كتاب الأخوة أن عوفا مات عنها فتزوّجها أخوه محمّد ثم مات عنها فتزوّجها أخوه عبد الله بن جعفر فماتت عنده ، وذكر ابن سعد نحوه وقال في آخره ، فكانت تقول إني لأستحي من أسماء بنت عميس مات ولداها عندي فأتخوف على
__________________
(١) المسائل السروية للشيخ المفيد / المسألة العاشرة.
(٢) تاريخ اليعقوبي ج ٢ / ١٥٠.