فقد قيل : اختلاف الوقت لا يؤثّر في اختلاف العلمين ، كما لا يؤثّر اختلاف الوقت وتقدمه وتأخره في اختلاف الجوهرين ؛ وليس كذلك ؛ فإن المعلوم فيما نحن فيه ليس من حيث هو جوهر ، أو عرض من الأعراض فقط ؛ بل مقيدا بوقت معين ؛ فإنّ المفهوم من كون الجوهر معلوما في وقت كذا ؛ غير المفهوم من كونه معلوما في وقت غير ذلك الوقت.
وإذ اختلف المعلومان : فقد بان أنه يلزم منه إختلاف العلمين. اللهم إلا أن ينظر إليه من حيث هو جوهر ما ، أو عرض ما ، ويقطع / النظر عما وقع فيه (١) الاختلاف من الوقت ؛ فالمعلوم (٢) يكون واحدا ، والعلمان المتعلقان به متماثلان.
وأما إذا اختلف محل العلم ، واتّحد وقت المعلوم : كالعلم القائم بزيد ، والعلم القائم بعمرو.
قال الأصحاب :
فإن قلنا : إنّ كلّ واحد من العلمين ، اقتضى لذاته أن يكون مختصّا بذلك المحل دون غيره ، فهما مختلفان ، وإلا فهما متماثلان.
وهو (٣) غير سديد ، فإنّهما لو تماثلا ؛ لتضادا على أصول أصحابنا ، ولو تضادا ؛ لما اجتمعا ، ولا مانع من اجتماعهما (٣).
وعلى هذا فما كان من العلوم متماثلا ؛ فهى متضادة.
وما كان منهما مختلفا ؛ فقد اختلف أصحابنا في تضادها.
والّذي عليه المحصّلون (٤) : أنها غير متضادة ؛ فإنه ما من علمين مختلفين إلا ويتصور الجمع بينهما نظرا إلى الاستقراء. وما يمتنع فيه الجمع بين المختلفات فليس (٥) لذواتها ؛ بل بالنظر إلى جرى العادة (٥).
وبالجملة : فالقول بنفى التّضاد بين العلوم المختلفة حتى لا يوجد منها ضدان ، أو إثباته غير يقينى ، إذ لا يساعد عليه دليل قطعى ، غير النظر إلى السبر ، والاستقراء الناقص (٦) ؛ وليس بقطعى (٧).
__________________
(١) فى ب (به).
(٢) فى ب (فالمعنى).
(٣) فى ب (وسيأتى تحقيق ذلك إن شاء الله تعالى).
(٤) فى ب (المحققون).
(٥) فى ب (لذواتهما بل بجرى العادة).
(٦) انظر ل ٣٨ / أ ، ٣٩ / أ ، ب.
(٧) فى ب (بدليل قطعى).