وأما أحكام الجهل :
فمنها : أنه غير مقدور التحصيل للعبد بنظر واستدلال ، وسواء كان بسيطا ، أو / مركّبا ؛ فإنّ النظر إن كان صحيحا ، فهو يتضمّن العلم لا الجهل. وإن لم يكن صحيحا فلا (١) يتضمن الجهل كما يأتى ؛ بل المقدور بالنظر والاستدلال [رفعه (٢)] بأن يحاول الناظر (٣) نظرا صحيحا يفضى به إلى العلم الّذي هو ضده ؛ فيرتفع.
فإذن جهل العبد حاصل له بخلق الله ـ تعالى ـ له ذلك من غير نظر واستدلال. وزعم بعض الناس : أنّه لا قدرة لله ـ تعالى ـ على خلق الجهل ؛ لأنه عالم بجميع مقدوراته ، فلو كان قادرا على فعل الجهل لغيره ؛ لكان عالما [به (٤)] ، وخرج الجهل عن كونه جهلا ، أو كان عالما بما هو جاهل به ؛ وهو ممتنع.
وهو غير سديد ؛ فإن من فعل الجهل لغيره لا يلزم أن يعود إليه حكمه حتى يكون جاهلا به. فإنّما يعود حكمه إلى من هو قائم به ؛ بل الفاعل له يكون عالما به على ما هو عليه من كونه جهلا. ومن علم الجهل على ما هو عليه ؛ لا يكون جاهلا. ثم لو عاد إلى الله ـ تعالى ـ حكم الجهل بسبب خلقه الجهل في العبد حتى يوصف بكونه جاهلا ؛ لعاد إليه حكم الغفلة ، والسّهو ، والعجز ؛ بسبب خلقه لذلك في العبد باتفاق المسلمين. ووصف بكونه غافلا ، وساهيا ، وعاجزا ؛ وهو ممتنع.
وأما حكم الجهل في جواز تعلّق الواحد منه بمجهولين ، وجواز الجهل بشيء واحد من وجه دون وجه ، واختلاف الجهالات ، وتماثلها وامتناع وجود جهل لا مجهول له ، وامتناع بقائه وتعيّن محله ؛ فعلى ما سبق في العلم (٥) الحادث. والاختلاف في كلّ مقام كالاختلاف في العلم ، والاحتجاج كالاحتجاج في المزيّف والمختار. ومن أحكامه أنّ الجهل هل هو مثل العلم أم لا؟
أما الجهل البسيط : فلا خلاف في كونه ليس مثلا للعلم ؛ فإنّ عدم الشيء لا يكون مثلا لذلك الشيء.
__________________
(١) فى ب (فإنه).
(٢) فى أ (يرفعه).
(٣) فى ب (النظر).
(٤) ساقط من أ.
(٥) انظر ل ٨ / أوما بعدها.