فيه ، وقد يظهر له الغلط في ذلك حتى أنّه ينتقل عن اعتقاد شيء إلى ضدّه ، ويجزم به ، مع استحالة الجمع (١) بين الجزمين.
وإذا جاز ذلك في غير البديهيات ـ مع كونها جازمة ـ كالجزم في البديهيّات ؛ فكذلك في البديهيّات.
الخامس : (٢) هو أنّ كلّ صاحب مذهب قد يدّعى البديهة بأمور يكذبه المخالفون له فيها ؛ وذلك قادح في البديهيّات : كمن يدعى العلم البديهى بحسن الشكر ، وقبح الكفران ، وكون العبد خالقا لأفعال / نفسه ، وأنّ كل (٣) ما لا يكون متحيزا ولا حالا (٣) في المتحيز فليس بموجود. وأن الأجسام باقية ، وأن إعادة المعدوم ممتنعة ، إلى غير ذلك.
الشبهة الثانية : أنّ المطلوب بالنّظر : إمّا أن يكون معلوما من كل وجه ، أو مجهولا من كل وجه ، أو معلوما من وجه ، ومجهولا من وجه.
فإن كان معلوما من كل وجه : فلا حاجة إلى طلبه ؛ فإنّ تحصيل الحاصل محال.
وإن كان مجهولا من كل وجه : فلا يقع في النفس طلبه. وبتقدير الطلب ، قد لا يعلم أنّ ما ظفر به هو مطلوبه ، أم لا؟
وإن كان الثالث : فإما أن يكون مطلوبا من جهة ما علم ؛ أو من جهة ما جهل ، وكل واحد من الأمرين ممتنع ؛ لما سبق.
الشبهة الثالثة : هو أنّ القول بصحة النظر : إما أن يكون معلوما ، أو مجهولا (٤).
فإن كان معلوما : فإما أن يكون بديهيا ، أو نظريا ؛ لاستحالة كونه محسوسا.
لا جائز أن يكون بديهيا : وإلا لما خالف فيه جمع كثير من العقلاء. وإن كان نظريا : فيلزم منه توقف صحة النّظر على صحّة النّظر ؛ لأنّ العلم بصحة الطريق المفضى إلى المطلوب ؛ متقدّم على العلم بصحة المطلوب ؛ وفيه توقف (٥) العلم بصحّة النّظر على العلم بصحّة النّظر ، وتقدّم الشّيء على نفسه ؛ وهو محال.
__________________
(١) في ب (مع).
(٢) ساقط من ب.
(٣) في ب (ما يكون متحيزا أو حالا).
(٤) في ب (أو غير معلوم).
(٥) في ب (تقدم).