والفقه ـ كما هى عادة أهل عصره ـ وكانت دراسته الفقهية في آمد على مذهب الإمام أحمد ؛ حيث يذكر السبكى أنه حفظ بآمد كتابا على مذهب الإمام أحمد بن حنبل ، كما يذكر ابن حجر أنه حفظ كتاب الهداية لأبى الخطاب في الفقه الحنبلى (١).
أما عن أسرته ومكانتها الاجتماعية ؛ فلم أعثر على شيء يدل عليها ؛ والراجح عندى أنّها كانت أسرة متواضعة لا تتميّز بتفوّق خاص في الحياة العلمية ، أو السياسية ؛ بدليل أنّه لم يعد إلى بلده إطلاقا كما أنه نسب إلى بلده ، ولم ينسب إلى أسرته.
وكان طموح الصبى أكبر من إمكانات آمد ؛ لذا فقد غادرها إلى بغداد في سنّ مبكرة نسبيا ؛ إذ رحل إلى بغداد وعمره أربع عشرة سنة ، كما ذكر الصفدى في الوافى بالوفيات (٢) ، أو خمس عشرة سنة كما ذكر تلميذه ابن واصل في كتابه مفرج الكروب (٣) ، حيث يقول وذكر لى (الآمدي) أنّه دخل بغداد في خلافة المستنجد (٤) بالله ، وعمره خمس عشرة سنة.
وأيّا كان عمر الصبى أربع عشرة سنة ، أو خمس عشرة سنة ؛ فقد غادر مدينته في سنّ مبكر نسبيا ممّا يدلّ على طموحه ، وذكائه ، وحبّه للعلم ، ولم يعد إليها إطلاقا ؛ بل استمر في رحلاته العلمية المتصلة من آمد إلى بغداد ، فدمشق ، فحلب ، ثم مصر (القاهرة والإسكندرية) ثم حماه ، ثم دمشق التى انتهت فيها هذه الحياة الخصبة الحافلة بجلائل الأعمال ، والتى دفن فيها بعد رحلات علمية متصلة استمرت أكثر من ست وستين سنة قضاها طالبا للعلم وأستاذا ومؤلفا لم يثنه عن هذه الغاية النبيلة حبّ لمنصب ، أو جاه ، أو مال.
__________________
(١) وفيات الأعيان لابن خلكان ٢ / ٤٥٥ تحقيق : الشيخ محمد محيى الدين عبد الحميد مكتبة النهضة المصرية بالقاهرة سنة ١٩٤٩ م.
طبقات الشافعية للسبكى ٥ / ١٢٩ ـ ١٣٠ طبع الحسينية بمصر.
ولسان الميزان لابن حجر ٣ / ١٣٤ ط حيدرآباد سنة ١٣٣٠ ه.
(٢) الوافى بالوفيات للصفدى ج ٢١ ص ٣٤٠. سلسلة النشرات الإسلامية باعتناء محمد الحجيرى بيروت سنة ١٩٨٨ م.
(٣) مفرج الكروب لابن واصل ٥ / ٣٦.
(٤) هو الخليفة العباسى المستنجد بالله : أبو المظفر يوسف بن المقتفى لأمر الله ولد سنة ٥١٨ ه وبويع بالخلافة سنة ٥٥٥ ه وتوفى في ربيع الآخر سنة ٥٦٦ ه (تاريخ الخلفاء للسيوطى ص ٤٤٢ وما بعدها تحقيق محمد محيى الدين المطبعة التجارية سنة ١٩٥٢ م).