قلنا : دليله أن القائل بالوجوب قائلان : قائل بالحصر ، وقائل بعدم الحصر. وقد أجمع الكل على أن مدرك الوجوب ، لا يخرج عن العقل والشرع ؛ فإذا بطل أن يكون العقل مدركا ، تعين الشرع.
وبيان امتناع كون العقل موجبا : أنه لو كان موجبا ؛ لم يخل : إما أن يوجب لفائدة ، أو لا لفائدة ، وإن (١) كان لا لفائدة (١) ؛ فهو عبث ؛ والعقل لا يوجب عبثا.
وإن كان لفائدة : فإما أن ترجع إليه ، أو إلى المعبود. لا جائز أن ترجع إلى المعبود ؛ فإنه يتعالى ، ويتقدس عن الأغراض.
وإن رجعت إليه : فإما فى الدنيا ، أو فى الأخرى.
لا جائز أن ترجع إليه فى الدنيا ؛ إذ لا حظ له فى ذلك ، غير التعب ، والنّصب ، والكلفة بما يوجبه العقل ؛ وهو غير مطلوب للعقلاء.
/ ولا جائز أن يكون الغرض منه ، معرفة الشيء على ما هو عليه ؛ وإلا لوجب النظر فى معرفة موجودات الأعيان ، على ما هو عليه ، مما (٢) يؤبه به ، وما يؤبه به (٢) ؛ وهو ممتنع. ولا لكونه (٣) حسنا فى نفسه ؛ إذ هو مبنى على التحسين والتقبيح ؛ وسيأتى إبطاله (٤).
ولا جائز أن يرجع إليه في الأخرى ؛ فإن العقل مما لا يستقل بمعرفتها دون إخبار الشرع عنها.
فإن قيل : احتمال (٥) العقاب (٥) بترك المعرفة ، والشكر ، والأمن منه بالمعرفة ، والشكر قائم ، والعاقل لا يخلو عن خطور هذه الاحتمالات له ، والعقل يدعو إلى سلوك طريق الأمن فيوجبه.
فنقول : لا نسلم امتناع خلو العاقل عن خطور هذه الاحتمالات له ، ودليله الشاهد فى الأكثر ، وإن امتنع ذلك ؛ لكنه معارض باحتمال نقيضه ؛ وهو احتمال العقاب على
__________________
(١) ساقط من (ب).
(٢) فى ب (مما يؤبه وما لا يؤبه).
(٣) فى ب (ولا يكون).
(٤) انظر ل ١٧٥ / أوما بعدها.
(٥) فى ب (فإن احتمال العقاب).