قولكم : إما أن تكون العلل والمعلولات متعاقبة ، أو معا ؛ فلم قلتم بامتناع التعاقب؟
قولكم (١) : إن لم يوجد منها شيء في الأزل ، فلها أول وبداية.
فنقول : لا يلزم من كون كل واحد من العلل والمعلولات غير موجود في الأزل ؛ أن تكون الجملة غير أزلية ؛ فإنه لا يلزم من الحكم على الآحاد ، أن يكون حكما على الجملة؛
بل جاز أن يكون كل واحد من آحاد الجملة غير أزلى ، والجملة أزلية. بمعنى تعاقب آحادها إلى غير النهاية.
سلمنا أنها غير متعاقبة ؛ لكن لم قلتم بوجود واجب الوجود؟
قولكم : النظر إلى الجملة غير النظر إلى الآحاد.
فنقول : (٢) لا نسلم وجود ما يسمى جملة في غير المتناهى ؛ ليصح ما ذكرتموه ، ولا يلزم من صحة ذلك في المتناهى مع إشعاره بالحصر ، صحته في غير المتناهى.
سلمنا أن مفهوم (٣) الجملة حاصل فيما لا يتناهى ، وأنه ممكن ؛ ولكن لا نسلم أنه زائد على الآحاد المتعاقبة إلى غير النهاية.
وعند ذلك : فلا يلزم أن يكون معللا بغير علة الآحاد.
سلمنا أنه زائد على الآحاد ؛ ولكن ما المانع من أن يكون مترجحا بآحاده الداخلة فيه؟ لا بمعنى أنه مترجح بواحد منها ؛ ليلزم ما ذكرتموه ؛ بل طريق ترجحه بالآحاد الداخلة فيه ، ترجح كل واحد من آحاده بالآخر إلى غير النهاية.
وعلى هذا : فلا يلزم افتقاره إلى مرجح خارج عن الجملة ، ولا أن يكون المرجح للجملة ، مرجحا لنفسه ، ولا لعلته.
سلمنا أنه لا بدّ من وجود واجب الوجود ؛ ولكن لا نسلم أنه غير / قابل للعدم ، كما ذكرتموه ، وإنما يمتنع كونه قابلا للعدم : أن لو امتنع انقلاب الواجب ، إلى الممكن ، أو الممتنع ، وكذلك بالعكس ؛ وهو غير مسلم. ولهذا قلتم بأن العالم ممتنع الوجود في
__________________
(١) من أول «قولكم : إن لم يوجد منها شيء ... الى قوله : الى غير النهاية» نقله ابن تيمية في كتابه (درء تعارض العقل والنقل ٣ / ٥٩) ثم علق عليه وناقشه.
(٢) نقل ابن تيمية في كتابه درء تعارض العقل والنقل ٣ / ٢٧٨ ـ ٢٨٠ هذا النص من قول الآمدي «لا نسلم وجود ما يسمى جملة ... إلى قوله : وفيه ترجيح الشيء بنفسه ، وهو محال» ثم علق عليه وناقشه.
(٣) فى ب (معنى)