وعند ذلك : فيمتنع القول بإثبات القدرة لله ـ تعالى ـ إذ هو مبنى على حدوث العالم. وإن لم يكن العالم في الأزل ممكنا : فقد فات شرط إيجاب (١) العلة لمعلولها في الأزل ؛ فلذلك امتنع أن يكون العالم موجودا مع البارى في الأزل ، بخلاف الحكم في حالة الحدوث.
ثم إن الإمكان المتجدد : إما أن يكون وجودا ، أو عدما.
فإن كان وجودا : فقد تجدد أمر لم يكن ، والكلام فيه كالكلام في الأول ؛ ويلزم منه التسلسل الممتنع.
وإن كان عدما : فعدمه في الأزل وجود ؛ لأن عدم العدم وجود ، وليس ممكنا ، وإلا كان الموجود الممكن ثابتا في الأزل ؛ وهو خلاف الفرض ؛ فهو واجب لذاته. فإذا قيل بعدمه ؛ فقد قيل بجواز عدم الواجب (٢) لذاته (٢) ؛ وهو ممتنع.
سلمنا أنه لا يتوقف إيجاده له على شرط ؛ ولكن ما المانع من أن يكون البارى ـ تعالى ـ مقتضيا بذاته لإيجاد العالم حادثا ، لا أزليا؟
وعند ذلك لا يلزم من قدم العلة ؛ قدم المعلول ، ولا من حدوث المعلول ؛ حدوث العلة.
سلمنا دلالة ما ذكرتموه على وجود القدرة القديمة ؛ ولكن معنا ما يدل على أنها غير موجودة.
وبيانه من عشرة أوجه :
الأول : أنه لو كان موجدا بالقدرة القديمة : فإما أن يتوقف الإيجاد بالقدرة على تجدد أمر ، أو لا يتوقف ،
فإن توقف ؛ لزم التسلسل.
وإن لم يتوقف : فيلزم قدم المقدور ؛ لقدم القدرة ، أو حدوث القدرة ؛ لحدوث المقدور ؛ وكل واحد من الأمرين محال.
__________________
(١) فى ب (ايجاد).
(٢) فى ب (الفعل لذاته).