وقبل الخوض في الحجاج (١) نفيا ، وإثباتا ؛ لا بدّ من تحقيق معنى الإرادة على مذهب أهل الحق من أئمتنا ؛ ليكون التوارد بالنفى ، والإثبات على معنى واحد.
وقد اختلفت عباراتهم فيها :
فقال بعضهم : هى القصد إلى المراد.
وقال بعضهم : هى إيثار المراد.
وقال بعضهم : هى اختيار الحادثات (٢).
وقال القاضى أبو بكر : هى المشيئة المجردة.
وفي هذه العبارات نظر.
أما العبارة الأولى والثانية : ففيهما تعريف الإرادة بالمراد ، والمراد مشتق من الإرادة ؛ فيكون أخفى في المعرفة من معرفة الإرادة ؛ فلا يصلح للأخذ في التعريف.
والّذي يخص العبارة (٣) الأولى : أن الإرادة أعم من القصد ، وتعريف الأعم بما هو أخص منه ممتنع ؛ ولهذا فإن الإرادة على رأى الأصحاب يجوز تعلقها بفعل الغير ، والقصد إلي فعل الغير ؛ ممتنع.
وقول القائل في العرف : قصدى لفعلك لأجل مصلحتك ؛ فمن أجل مصلحتك ، فمن باب التجوز ، والتوسع ؛ والكلام إنما هو في الحقيقة.
وأما العبارة الثانية : وهى الإيثار. فقد قيل فيها : الإيثار مشعر بسابقة التردد بين أمرين.
أحدهما أثر عن الآخر ، والإرادة أعم من ذلك ؛ فإنّها قد تكون حيث لا تردد : كالمكره على فعل شيء ؛ فإنه لا يخطر له غير الفعل الّذي به نجاته ؛ وهو مريد له.
ويمكن دفعه : بأنه مؤثر لجانب فعله علي عدمه ، ولا خلو له عنه. وما مثل هذا التشكيك فوارد على العبارة الثالثة : وهى الاختيار.
__________________
(١) فى ب (الحجج).
(٢) فى ب (الجاريات).
(٣) فى ب (الإرادة).