وأما القائلون بالمغايرة : فقد احتجوا بمسلكين / أيضا :
الأول : قوله ـ تعالى ـ (يُحِبُّهُمْ وَيُحِبُّونَهُ) (١) وقوله ـ تعالى ـ (وَالَّذِينَ آمَنُوا أَشَدُّ حُبًّا لِلَّهِ) (٢). أثبت المحبة المتعلقة بالله. فلو كانت المحبة ؛ هى الإرادة ؛ لما تعلقت بالله تعالى ؛ لكونه قديما ، وكون الإرادة لا تتعلق بغير الحادث.
وهو أيضا ضعيف ؛ إذا أمكن أن يكون المراد من قوله ـ تعالى ـ (يُحِبُّونَهُ) ومن قوله : (أَشَدُّ حُبًّا لِلَّهِ) إرادة طاعته. هكذا ذكره ابن عباس ؛ وعلى هذا فلا منافاة بين الإرادة ، والمحبة.
المسلك الثانى : وهو الأقوى ، وعليه الاعتماد ، أنهم قالوا : سنبين أن الله ـ تعالى ـ مريد لجميع الجائزات ، والكفر والفساد من جملتها ؛ فيكون مريدا له. فلو كانت الإرادة هى المحبة والرضى ؛ لكان البارى ـ تعالى ـ محبا للفساد ، وراضيا بالكفر ؛ وهو محال لقوله ـ تعالى ـ (وَاللهُ لا يُحِبُّ الْفَسادَ) (٣). وقوله ـ تعالى ـ : (وَلا يَرْضى لِعِبادِهِ الْكُفْرَ) (٤).
فإن قيل : إن الله ـ تعالى ـ يحب الفساد من حيث هو معاقب عليه.
قلنا : فلا منافاة بينه ، وبين كون الفساد في ذاته غير محبوب على ما دل عليه النص.
[وإذ] (٥) أتينا على ما أردنا تحقيقه من معنى الإرادة ؛ فهى تنقسم إلى قديم ، وحادث. والمقصود هاهنا ، إنما هو بيان إثبات الإرادة القديمة لله ـ تعالى ـ.
وأما الإرادة الحادثة : فسيأتى الكلام عليها فيما بعد إن شاء الله ـ تعالى. (٦) والمعتمد في ذلك أن يقال :
__________________
(١) سورة المائدة ٥ / ٥٤.
(٢) سورة البقرة ٢ / ١٦٥.
(٣) سورة البقرة ٢ / ٢٠٥.
(٤) سورة الزمر ٣٩ / ٧.
(٥) فى أ (فإذا).
(٦) انظر ل ٢٨١ / ب وما بعدها.