وما المانع من كونه مخصصا بإرادة لا في ذاته ، كما هو مذهب البصريين / من المعتزلة.
سلمنا أنه لا بدّ وأن يكون المخصص قائما بذاته ؛ ولكن ما المانع من كونه حادثا ، كما هو مذهب الكرامية؟
سلمنا أنه لا بدّ وأن يكون قديما ؛ ولكن لا نسلم أن ذلك المخصص هو الإرادة ؛ بل جاز أن يكون المخصص كونه عالما بما اشتمل عليه الجائز من المصلحة المرجحة له على غيره ، كما يقوله أبو الحسين البصرى ، ومع ذلك ؛ فلا حاجة إلى الإرادة.
سلمنا أن العلم بالمصلحة غير مرجح ؛ ولكن لم قلتم بامتناع كون المرجح قوله : (كُنْ)؟ كما ذهب إليه بعض الكرامية.
ويدل على كونه مرجحا قوله ـ تعالى ـ : (إِنَّما قَوْلُنا لِشَيْءٍ إِذا أَرَدْناهُ أَنْ نَقُولَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ) (١).
سلمنا دلالة ما ذكرتموه على أنه لا بدّ من إرادة قديمة قائمة بذات واجب الوجود ؛ ولكن معنا ما يدل على امتناع ذلك ؛ وبيانه بحجج أربع.
الأولى : أن حدوث الحادث : إما أن يكون متوقفا على تعلق الإرادة به ، أو لا يكون متوقفا عليها (٢).
فإن كان الأول : فهو ممتنع لثلاثة أوجه :
الأول : أن تعلق الإرادة به لا يخلو : إما أن يكون أولى من عدم التعلق ، وإما عدم التعلق أولى ، أو أن التعلق وعدمه سيان.
فإن كان الأول : فالرب ـ تعالى ـ يستفيد بإرادته له (٣) كمالا ، وبعدم إرادته نقصانا ؛ وهو محال على الرب ـ تعالى ـ
وإن كان الثانى : كان التخصيص [بالوجود] (٤) ممتنعا.
وإن كان الثالث : لم يكن التخصيص أولى من عدمه ؛ لعدم الأولوية.
__________________
(١) سورة النحل ١٦ / ٤٠ وقد صححت الآية حيث كانت (إنما أمرنا ..
(٢) فى ب (عليه).
(٣) ساقط من ب.
(٤) ساقط من أ.