وهو أن يقال : إذا ثبت أن البارى ـ تعالى ـ خالق (١) العالم بالقدرة ، والاختيار ؛ فالخلق بالقدرة (٢) ، والإرادة (٢) يستدعى القصد إلى الإيجاد والتخصيص ، والقصد إلى الشيء يستدعى العلم بذلك الشيء ضرورة ، وإلا فلا يكون القصد إلى إيجاد ذلك الشيء أولى من القصد إلى غيره ؛ ولهذا فإن من رأى صنعة محكمة ، وقصرا مشيدا ؛ اضطره عقله إلى العلم بعلم صانعه ، وشعوره به.
وإذا ثبت كون الرب ـ تعالى ـ عالما : فإما أن يكون المفهوم من كونه عالما ؛ هو المفهوم من ذاته ، أو غيره.
لا جائز أن يقال بالأول : لوجهين :
الأول : أنه قد يعقل الذات من يجهل كونها عالمة ؛ والمعلوم غير المجهول.
الثانى : أنه يصح اتصاف الذات بكونها عالمة ، والصفة غير الموصوف ؛ فلم يبق إلا أن يكون المفهوم من كونه عالما ، يزيد على المفهوم من الذات.
وإذا كان زائدا : فإما أن يكون عدميا ، أو وجوديا ، أو لا وجوديا ولا عدميا.
لا جائز أن يكون عدميا : وإلا لكان سلبه وجودا ، ولو كان سلبه وجودا ؛ لما صح اتصاف النفى المحض به ؛ وليس كذلك ؛
فإنه يصح أن يقال : المستحيل ليس بعالم. وتفسيره بسلب الجهل باطل ؛ لأن الجهل على ما سبق في قاعدة العلم (٣) :
إما بسيط : وهو عدم العلم لا مطلقا ، وإلا كان عدم العلم في الحجر جهلا ، وليس كذلك ؛ بل عدم العلم فيما من شأنه أن يكون عالما.
وإما مركب / : وهو اعتقاد الشيء على خلاف ما هو عليه.
فإن كان معنى كونه عالما : أنه ليس بجاهل : الجهل البسيط ؛ فهو سلب.
__________________
(١) فى ب (خلق).
(٢) فى ب (بالقدرة والاختيار والإرادة).
(٣) انظر ل ١٣ / أ.