وإن كان الثانى : فإنما يلزم أن لو كان فعل الله ـ تعالى ـ مما يجب فيه رعاية الحكمة ؛ وليس كذلك على أصل هذا الدّال ، وبتقدير رعاية الحكمة في أفعاله ؛ فقد لا يسلم توافق كونه موافقا للحكمة المطلوبة منه. فإن (١) ذلك يستدعى معرفة الحكم المطلوبة منه (١). ومعرفة مطابقة خلق العالم لها ، والعلم به غير (٢) ضرورى ، والدلالة عليه عسيرة.
وإن كان الثالث : إما (٣) أن يراد به أنه نافع (٣) من كل وجه ، أو من وجه دون وجه ـ لا سبيل إلى الأول : فإنه ما من شيء يقدر ، وإن كان نافعا بالنسبة إلى جهة ؛ فمضر بالنظر (٤) إلى جهة أخرى.
وإن كان الثانى : فلا نسلم دلالته على علم من صدر عنه ، ولا مانع من أن يكون كالإحراق الصادر عن النار ؛ فإنه وإن كان نافعا بالنسبة إلى بعض / الجهات ؛ فقد يكون مضرا بالنسبة إلى جهة أخرى ، ولا يدل ذلك على كون النار عالمة به.
وإن كان الرابع : فلا بد من تصويره ، والدلالة عليه.
ثم وإن سلمنا أن العالم على غاية الحكمة ، والإتقان ؛ ولكن لا نسلم دلالة ذلك على علم البارى ـ تعالى ـ به ، ولا أن العلم به ضرورى.
ولو تردد الناظر بين كون الفاعل له مع العلم ، وعدم العلم ؛ لم يجد إلى الحكم الجزم بكونه عالما سبيلا. دون نظر ، واستدلال ؛ بل وكان ما يقوله الطبيعيون منقدحا في عقله ، وما وقع به الاستشهاد من البناء المحكم في الشاهد ؛ فمبنى على العادة من أن ذلك لا يكون صادرا من غير المختار ؛ والمختار لما يفعله من غير علم محال ؛
فإن النظر فيما نحن فيه إلى كون البارى ـ تعالى ـ مختارا ؛ فهو انتقال إلى مسلك آخر ، وترك لما وقع الشروع فيه ؛ وذلك هو المختار.
__________________
(١) من أول (فان ذلك يستدعى ...) ساقط من ب.
(٢) ساقط من ب.
(٣) فى ب (فإما أن يراد أنه نافع).
(٤) فى ب (بالنسبة).