تعالى ـ وصنعه ، هو العالم على ما سيأتى (١). والعالم بما هو عليه من الأفلاك الدائرة ، والكواكب السائرة (٢) / ، وما يلازمها من الحر ، والبرد ، والاعتدال فيهما في الفصول المختلفة ، والآثار العجيبة في عالم الكون ، والفساد ، من أنواع المعدنيات ، واختلاف النباتات في الضرر والمنافع ، والكيفيات ، واختلاف الأوقات في ظهورها ، وعدم ظهورها ، على حسب دعوى الحاجة إليها ، وما يشتمل عليه أنواع الحيوانات من التركيب العجيب من الأعضاء المختلفة ، والآلات الحسية : الظاهرة ، والباطنة ، وتولد بعضها من بعض تولدا حافظا لنوع كل واحد منها على مر الدهور ، والأزمان ، من غير اختلاف ، ولا اختلال ؛ بل وكذلك ما فيه من الآثار العلوية : كالسحب ، والرعود ، والبروق ، وغيرها في الأوقات المختلفة. على غاية من الحكمة ، والإتقان ، وعلى (٣) وجه لا يظهر فيه القصور ، والنقصان في عقل عاقل ما ؛ فإذن فعل الله ـ تعالى ـ وصنعه في غاية الحكمة ، والإتقان (٣). وكل من فعله في غاية الحكمة والإتقان ؛ فبالاضطرار العقلى (٤) ؛ يعلم كونه عالما به.
ولهذا فإن من رأى قصرا مشيدا ، وبناء مرتفعا ، وصنعة محكمة ؛ اضطره عقله إلى علم صانعه.
وفيه نظر ؛ فإن لقائل أن يقول :
وإن سلمنا أن العالم صنعه ، مع إمكان النزاع فيه على ما يأتى (٥) ؛ ولكن لم قلتم إنه يجب أن يكون عالما به؟
قولكم : إن العالم على غاية من الحكمة والإتقان : إما أن تريدون به أنه على حالة لو قدر وجوده على خلافها ؛ كان ناقصا ، أو أنه موافق للحكمة المطلوبة منه أو أنه نافع ، أو معنى آخر.
فإن كان الأول : فهو ممنوع ؛ إذ لا دليل يدل عليه ، ولا العلم به ضرورى.
__________________
(١) انظر ل ٢١٢ / ب وما بعدها.
(٢) فى ب (السيارة).
(٣) من أول (وعلى وجه لا يظهر ...) ساقط من ب.
(٤) فى ب (القطعى) ..
(٥) انظر ل ٢١٥ / أوما بعدها.