فإن قيل : ظاهر الآيتين : يدل على أن الوضع ، والحمل ، والإنزال بالعلم ، وليس كذلك ، فتكون الدلالة (١) متروكة الظاهر.
سلمنا أنها غير متروكة الظاهر ؛ ولكن ما المانع من أن يكون العلم مفسرا : بعدم الجهل؟ كما ذهب إليه ضرار بن عمرو ، أو بعلم حادث لا في محل : كما ذهب إليه جهم ابن صفوان؟
سلمنا دلالة ذلك على ثبوت صفة العلم لذاته ؛ ولكنه معارض بقوله ـ تعالى ـ (وَفَوْقَ كُلِّ ذِي عِلْمٍ عَلِيمٌ) (٢) ـ فلو كان للرب ـ تعالى ـ علما ؛ لكان فوقه عليم ؛ وهو محال.
والجواب عن السؤال الأول : بمنع ترك الظهور ؛ فإن الدلالة المذكورة ظاهرة في جريان ذلك معلوما بعلمه ؛ لا واقعا ، وواجبا بعلمه ، وهو المتبادر إلى الفهم من إطلاق ذلك في قولهم : جرى الأمر الفلانى بعلمى ، وبعلم فلان. وبتقدير أن تكون الدلالة ظاهرة فيما ذكروه ؛ فلا يخرج عن أن يكون مجازا فيما ذكرناه ، وإذا تعذر العمل باللفظ في حقيقته ؛ تعين العمل به في مجازه حذرا من التعطل.
وعن السؤال الثانى : بما سيأتى عن قرب.
وعن السؤال الثالث : بأن ما ذكرناه : خاص ، وما ذكروه : فأعلى درجاته أن يكون عاما ، وتخصيص العام بالخاص ، أولى من إبطال دلالة الخاص ، والعمل بعموم العام ؛ فإن الجمع بين الأدلة مهما أمكن ؛ أولى من تعطيل الواحد منها ، والعمل بالباقى.
غير أن التمسك بمثل (٣) هذا (٣) المسلك مع افتقاره إلى إثبات صفة الكلام ؛ قابل إلى التمسك بالظنون في مسائل القطع ؛ وهو بعيد.
وأما من جهة المعقول : فقد استدلوا بالمسلك المشهور (٤). وهو أن فعل الله ـ
__________________
(١) فى ب (الآية).
(٢) سورة يوسف ١٢ / ٧٦.
(٣) فى ب (بهذا).
(٤) هذا المسلك استند عليه كثير من المتكلمين وغيرهم في إثبات العلم لله ـ تعالى ـ ويعرف بدليل الإتقان والإحكام. ومع ذلك فإن الآمدي ينتقده من وجوه كما سيتضح لنا فيما بعد. فممن استند عليه من الأشاعرة :
الأشعرى في اللمع ص ٢٤ ، ٢٥ والباقلانى في التمهيد ص ٤٧. ومن المعتزلة القاضى عبد الجبار في شرح الأصول الخمسة ص ١٥٦.
ومن الفلاسفة ابن رشد في مناهج الأدلة طبع محمد على صبيح ص ٥٣.