وأما قول الجبّائى : بقيام كلام الله ـ تعالى ـ بالقارئ ، والمصحف ، والحافظ مع مغايرته للقراءة ، والكتابة ، والحفظ ، فمع أنه مجاحد العقل ؛ مناقض لأصوله من ثلاثة أوجه :
الأول : أن البنية المخصوصة ـ وهى مخارج الحروف ـ شرط في وجود الكلام ، والشرط غير متحقق في أوراق المصحف.
الثانى : يلزمه قيام الكلام بنفس الحافظ لكلام الله ـ تعالى ـ ، مع إنكاره قيام الكلام بالنفس.
الثالث : أن من أصله : أن الكلام المفيد لا يكون إلا من حروف مترتبة متوالية بعضها بعد بعض ، وقبل بعض.
وعند هذا : فالكتابة الحادثة دفعة واحدة في قطعة شمع من طابع عليه كتابة منقوشة.
إن قيل : بتوالى حروفها مرتبة في أزمنة ؛ فهو خلاف الفرض.
وإن قيل : بوقوعها معا. فقد اختل شرط الإفادة ؛ فلا يكون الكلام المفيد قائما بالسمع ؛ وهو خلاف مذهبه.
والقول بقيام الكلام مع وحدته بجميع القراء في ساعة واحدة : ممتنع. وإلا لزم منه تعدد المتحد ، أو اتحاد المتعدد ؛ والكل محال.
ثم لو جاز قيام كلام واحد بمحلين ؛ لجاز قيام لون واحد بمحلين ؛ ولم يقل به قائل.
والقول بأن الكلام مسموع ، وليس بصوت ، يوجب كون الكلام هو الحروف ؛ اذ الكلام هو الحروف المرتبة عند هذا القائل. فإذا كان الكلام ليس بصوت ؛ فالحروف ليست أصواتا ؛ وليس كذلك. فإنا لا نشعر عند كلام المتكلم بمعنى خارج عن صوته ، ومقاطع صوته ، ومقاطع الأصوات [أصوات] (١) ، وتلك هى الحروف ؛ فمن ادعى الشعور ،
__________________
(١) ساقط من أ.