ثم وإن سلمنا ذلك ؛ ولكن لا نسلم امتناع إدراك أضداد الكلام بما به إدراك الكلام ؛ فإن كل موجود يصح أن يسمع على أصلنا.
قولهم : لو كان الخرس ، أو غيره ضدا للكلام ؛ لتصور أن يكون الواحد متكلما ، أخرس بالنسبة إلى ضربين من الكلام.
قلنا : أما الكلام النفسانى : إن قلنا إنه معنى (١) واحد لا تعدد فيه ـ كما هو مذهب الشيخ أبى الحسن الأشعرى ـ ، فلا يتصور أن يكون المتكلم متكلما ببعضه دون بعض ؛ لعدم التبعيض فيه ـ وإن قلنا إنه متعدد : فلا مانع من ثبوت ضرب من الكلام ، وانتفاء بعض آخر لمانع يمتنع وجوده معه ، ويكون في حكم الخرس ؛ ولكن ربما لا يسمى ذلك المانع من البعض خرسا ؛ فيكون النزاع واقعا في التسمية لا في المعنى.
وعلى هذا يكون الكلام في الكلام اللسانى أيضا.
قولهم : الخرس وغيره ضد لكلام المخلوق ؛ لقيامه به ، وليس ضدا لكلام الخالق ؛ لعدم قيامه به.
قلنا : إذا سلم أن كل حىّ قابل للكلام ، وأن الرب ـ تعالى ـ حىّ ؛ فيكون قابلا للكلام ؛ فالمعنى الموجب لمنع الكلام في حقه يكون خرسا على ما سبق.
قولهم : كلام الله ـ تعالى ـ عندكم قديم لا يجوز تقدير انتفائه ، وما ليس كذلك ؛ فلا يكون له ضد.
قلنا : وإن امتنع العدم في كلام الله ـ تعالى ـ فبتقدير وجود الضدين تقدير عدمه لا يكون مجوزا لعدمه في نفسه. ولهذا قال ـ تعالى ـ : (لَوْ كانَ فِيهِما آلِهَةٌ إِلَّا اللهُ لَفَسَدَتا) (٢).
وما / لزم من تقديره الفساد ، من تقدير اجتماع الآلهة ، جواز اجتماع الآلهة.
قولهم : إن الله ـ تعالى ـ عندكم آمر بأشياء ، وغير آمر بأشياء يمكن أن يكون آمرا بها على ما قرروه.
__________________
(١) ساقط من ب.
(٢) سورة الأنبياء ٢١ / ٢٢.