قلنا : إن قلنا بما ذهب إليه عبد الله بن سعيد ـ من أصحابنا ـ أن الأمر ، والنهى ، وسائر أقسام الكلام ؛ ليس مما يتصف به الكلام القديم في الأزل ؛ بل فيما لا يزال ، وأنه من الصفات الفعلية ؛ فالأمر ليس من الصفات القديمة ، حتى يلزم من عدم اتصاف الرب ـ تعالى ـ به أن يكون متصفا بضده.
وإن قلنا : بما ذهب إليه الشيخ أبو الحسن الأشعرى : من أنه موصوف به في الأزل.
فنقول : كلام الله ـ تعالى ـ صفة واحدة. وحاصله يرجع إلى الإخبار عن كل ما يصح الإخبار عنه على ما هو عليه ؛ فما أمر الله ـ تعالى ـ به ؛ فهو مخبر عن كونه (١) مأمورا. وما لم يأمر به (١) ؛ فهو مخبر عن كونه غير مأمور به ؛ فكلامه مع وحدته يتعلق بجميع المتعلقات على اختلاف أوصافها.
فعلى هذا : لو قدرنا وجود الأمر فيما أخبر (٢) به الله ـ تعالى ـ أنه غير مأمور (٢) ؛ لكان ذلك كذبا ، وتناقضا محالا ؛ فوجود الأمر فيما لم يأمر به لا يكون متصورا ، وعدم اتصاف الرب ـ تعالى ـ بالأمر فيما لا يكون الأمر به متصورا ، لا يوجب اتصافه بالضد ، كما لا يلزم الجهل في حق الحجر من عدم العلم فيه لما لم يكن العلم في حقه متصورا ، بخلاف الكلام ؛ فإنه قد سلم تصور اتصاف الرب ـ تعالى ـ به على ما سبق.
كيف وأن ما لم يأمر به فالمنتفى فيه إنما هو تعلق الأمر به ، لا نفس الأمر ؛ فلا يلزم أن يكون الرب ـ تعالى ـ متصفا بضد الأمر.
قولهم : لم قلتم بامتناع الخلو عن جميع الأضداد؟
قلنا : إذا ثبت أن كل حي قابل للكلام ، فامتناع قيام الكلام به لا بدّ وأن يكون لمانع. وإلا لما كان ممتنعا ؛ وذلك هو المعنى بالضد.
وعلى هذا : فقد اندفع مذهب الصّالحى من المعتزلة في قوله : بجواز خلو المحل عن جميع الأضداد ، التى هو قابل لها.
__________________
(١) فى ب (مأمورا به وما لم يخبر به).
(٢) فى ب (أخبر الله ـ تعالى ـ أنه غير مأمور به).