نهى ؛ لما تحقق معنى التبليغ والرسالة ؛ فإنه لا معنى للرسول إلا المبلغ لكلام المرسل ، فلو لم يكن لله تعالى كلام وراء كلام الرسول المخلوق فيه أصالة عندهم ، أو لله ـ تعالى ـ عندنا ؛ لكان هو الآمر بأمره ، والناهي بنهيه ؛ فلا يكون رسولا ، ولا مبلغا ؛ بل كان كاذبا في دعواه : إنى رسول الله إليكم فيما أمرت به ، أو نهيت : كالواحد منا إذا أمر غيره ، أو نهاه ، ولم يكن مبلغا عن الغير ؛ فإنه لا يكون رسولا ؛ بل ولما تحقق أيضا معنى الطاعة ، والعبودية لله ـ تعالى ـ ؛ فإن من لا أمر له ، ولا نهى ؛ لا يوصف بكونه مطاعا ، ولا حاكما. ومن أنكر ذلك من غير أهل الملل ؛ كان محجوجا بما دلت عليه المعجزات القاطعة ، الدالة على صدق من ظهرت على يده من الرسل المتقدمين ، الذين شاهد ذلك منهم من حضرهم ، وتواترت أخبارهم إلى من غاب عنهم.
وعند ذلك : فالإجماع أيضا من العقلاء منعقد : على أن كلام المتكلم لا يخرج عن الحروف ، والأصوات المنتظمة ، الدالة بالوضع ، وعما هى دليل عليه في نفسه.
فإن كان الأول : فلا يخلو : إما أن يكون لكلام الله تعالى معنى في نفسه ، أو لا معنى له في نفسه.
فإن لم يكن له معنى في نفسه ؛ فلا يكون آمرا ، ولا ناهيا ؛ ولهذا إن من قال لغيره ؛ افعل كذا ، أو لا تفعل كذا ، ولم يكن لعبارته معنى في نفسه ؛ لا يكون آمرا ؛ ولا ناهيا ؛ بل عابثا.
وإن كان لها / معنى في نفسه ؛ فذلك هو الّذي نروم إثباته ، ونعبر عنه بكلام النفس.
وإن كان الثانى : وهو أن معنى الكلام هو المعنى القائم بالنفس ؛ فهو (١) المطلوب. ولو لا ذلك لما تحقق كونه متكلما. وهو فلا يخلو (١) : إما أن يكون قديما ، أو حادثا.
لا جائز أن يكون حادثا : وإلا كان الرب ـ تعالى ـ محلا للحوادث ؛ وهو محال.
فلم يبق إلا أن يكون قديما.
__________________
(١) فى ب (فذلك هو المطلوب ولا يخلو).